برنامج رمضان

يختلف برنامج رمضان من شخص لآخر بحسب طبيعة العمل والظروف وطبيعة التفكير الخ، ليس شرطاً أن يكون لكل شخص برنامج أو جدول محدد سلفاً، لكن هناك دورة حياة وروتين يومي قد يختلف في رمضان عن غيره.

يتحول رمضان عند البعض لمهرجان اجتماعي مفتوح متسلسل ومتتابع من بداية الشهر إلى نهايته. والبعض يحول بيته في رمضان إلى مطعم يجمع بين أطباق الشرق والغرب، وما يتحاشى من أكله قبل رمضان يتجاوز عنه في رمضان، لا ممنوعات وليس مهما الإكثار من النشويات والسكريات "والله سامع الدعاء". 

هناك من يحول رمضان إلى ليل للسهر، ونهار للنوم، وهذا ما عليه غالب الناس في البلدان والمجتمعات غير المنتجة والتي تخطئ في التعامل مع حاضرها ومستقبلها. هذه الأسمار المجتمعية تتخللها بعض الطقوس وحالات الذكر للتعويض عن فقدان القدرة على الإنتاج والشعور الوهمي بالرضا عن التقصير، كما يتخللها بعض المنادمة والتسالي، من حق الناس أن يستمتعوا في ليالي رمضان، وساعة لك وساعة لربك كما يقال.

 الطقوس المرافقة للصيام متعارف عليها وواردة في المأثور القديم، من باب زيادة الخير والطاعات والقربات، وهذا شيء طيب يشعر كل من يمارس الطقوس براحة غريبة لا مثيل لها إلا في رمضان، فالإكثار من الأعمال الروحانية في شهر واحد فقط يجعله مختلف عن بقية الشهور، ولذا يشعر المؤمن التقليدي بغربة وغصة بعد رمضان، ويشعر بحافز قبل رمضان بحثا عن راحة نفسية حصل عليها في رمضان سابق، وما أن ينتهي رمضان حتى تعود الغصة، وعلاج تلك الغصة التوازن، وألا ينسى روحه طوال العام، ومادام أن هناك إمكانية لاستعادة الروح التائهة في رمضان فهناك أيضاً إمكانية لإبقاء هذه الروح متقدة في غيره من الشهور.

فالصوم عبادة تخلص الجانب المادي من الشوائب العالقة طوال العام أو هكذا يفترض، مع أن الدين وضع عبادات تمكن الفرد من الموازنة بين المادة والروح طوال العمر، فلا حياة بلا مادة وروح وتغليب جانب على آخر يسبب خللاً في التوازن المفترض لكل فرد، ولذا لابد من التعايش مع فكرة وجود خالق عليم قدير قوي رحيم ودود لطيف إلى آخر أسمائه الحسنى وصفاته العليا، هذا التعايش ليس وقتياً ولا موسمياً، وليس مجرد طقس محدود، بل فهماً عميقاً للحياة المحدودة بزمن معين. وهذا التعايش يساعد على عدم طغيان الحياة المادية، فحاجات الإنسان محدودة فاذا حولها إلى غايات يختل توازنه. 

في الواقع يحتاج الفرد المدرك لمفاهيم الحياة والدين إلى الجهد لصناعة برنامج محدد في شهر الصوم، فليس من معاني الصوم الإمساك في النهار عن الطعام والشراب والإسراف فيهما أثناء الليل، من يتحدثون عن ميزة رمضان في أنه يساوي بين طبقات المجتمع الغنية والفقيرة، يعلمون أنه مجرد خيال، صحيح الكل يمسك عن تناول الأكل في النهار لكن التمايز الطبقي يعود بقوة بعد مدفع الإفطار مباشرة، فسفر عامرة وسفر ضامرة، إذا المساواة المزعومة تبدأ عند بزوغ الفجر وتنتهي عند حلول الغسق، فبئساً لهذا الزعم المحدود. 

دعك من المساواة الاجتماعية المرتبطة بالصوم، وادخل في مساوة أكثر رسوخا وأكثر فاعلية على مستواك الفردي، تستطيع أن تخلق مفاهيمك الخاصة حول هذه المساواة، وستشعر بالمجتمع والناس من حولك، فأنت المُكلف بكل عبادة من العبادات بشكل فردي، وأدائها مع المجموع لا يغنيك عن اتقانها والإتيان بها على أكمل وجه، فلن يحاسب أحد على تقصيرك أو ركاكة الأداء نيابة عنك، أنت مُكلف ومن كلفك سيحاسبك أنت.

فكما أنه من المهم تخليص روحك مما علق بها من آثام، لابد لك من تخليص جسدك من الفضلات، تستطيع الاستعانة بالطبيب في هذه الناحية ليقرر لك برنامج غذائي يتناسب مع احتياجاتك، قد تحتاج في هذا الشهر أن تتخلص من مدخلات الأكل الخاطئة التي ارتكبتها في حق نفسك طوال العام، لا أن تضيف لها فضلات جديدة تكتم أنفاسك وتملأ غدد جسمك بالسموم. إذاً فالصوم يمنحك الفرصتين معاً؛ تخليص الروح، والجسد من الشوائب. وبهما معاً تستطيع تغيير أفكارك ومادام أن التوازن بين الجسد والروح قد حصل فالنتيجة هي توازن العقل والتفكير، وإذا انتهى رمضان ومازال تفكيرك مشوش ولازلت مضيع الصائبة، فهذا باختصار دليل على أنك لم تستفد من الصوم طيلة الشهر الكريم. 

قد لا تفيدك نصيحتي بإضافة العزلة إلى برنامجك في رمضان، وهل هناك عزلة مع كل وسائل التواصل الاجتماعي التي تحيط بكل منا؟ لكن مع ذلك يحتاج الفرد للعزلة في رمضان وغيره، فهي علاج لكثير من مشكلات الفرد وتساهم في تخفيف مشكلات المجتمع، والعزلة حالة من الشعور أكثر منها حالة سلوكية، وهي في الواقع أصعب منها في الشعور، والعزلة الجزئية مفيدة لحفظ العلاقات مع المجتمع، وتساعد على خلق مسافة كافية بين الأفراد، وتسهم في تقليص طبيعة الفضول والتطفل الاجتماعي وحشر الفرد أنفه في خصوصيات غيره، وتقلل من حالات التماس و"المداهفة" بمعنى أنها مفيدة للجميع. وعلى كل رمضان ليس شهر الولائم والعزائم، هو شهر الوحدة وهي سيدة العبادات الفردية وهي معنى من معاني الاستغفار، فهي تحد من النميمة المحببة للنفس، والوحدة هي برنامج عملي قد يفيدك في معرفة غايات الصوم، وفي خلق حالة من التوازن الثلاثي بين الروح والجسد والعقل.

تقبل الله صيامكم وخفف عنكم ما يضر أرواحكم وأجسادكم.

مقالات الكاتب