حزب الإصلاح.. والأخطاء الكارثية
برزت خلال السنوات الأخيرة التي أعقبت اندلاع ثورة الشباب الشعبية السلمية في فبراير 2011 ما يمكن تسميتها بـ"الفجوة الجيلية" بين قيادات وقواعد حزب الإصلاح، رافقها تراجع الدور السياسي للحزب على الصعيد السياسي والتنظيمي، ويبدو أن الحزب في طريقه إلى الأفول، دون أن تكلف قيادات الحزب نفسها البحث في أسباب ذلك، وإجراء مراجعات نقدية وتقييم الأداء السياسي لقيادات الحزب منذ تأسيسه وحتى الوقت الحالي، ومعاقبة القيادات التي تسببت في تراجع دور الحزب، وورطته في أخطاء كارثية أسهمت في وصول اليمن إلى المشهد الراهن.
أعتقد أن أول وأكبر خطأ هو عدم قبول النقد الذاتي وعدم قبول قيادات الحزب للنصائح من قبل قواعد الحزب وقيادات الصف الثاني والثالث، وهذا الأمر يعكس شيئين: الأول، عدم العمل بمبدأ الشورى. الثاني، الاستبداد بالرأي. وهذا بدوره يؤدي إلى تراكم الأخطاء الأخرى التي أثرت على شعبية الحزب وتقليص قدرته في التأثير على المشهد السياسي.
قبل فترة قصيرة، كتب أحد شباب الإخوان المسلمين في مصر مقالاً انتقد فيه الأداء السياسي لقيادات حركة الإخوان هناك، وذكر من بين الأخطاء التي سردها رفض قيادات الحركة للنصائح التي تأتي من قواعد الحركة نفسها وبعض قياداتها الرافضة للأداء السياسي للقيادات المتحكمة بالحركة، وأكد بأن الرد المعتاد على أي صوت ينادي بإصلاح الأداء السياسي للحركة ينحصر في هذه العبارة، وهي "مش وقته"، وقال متحسراً بأن الحركة أوشكت على الاختفاء من المشهد ومازالت قياداتها تردد عبارة "مش وقته"!
وفي اليمن، تكرر قيادات حزب الإصلاح نفس أخطاء قيادات حركة الإخوان المسلمين في مصر وأكثر، والفارق الوحيد -باعتقادي- أن قيادات حزب الإصلاح لا تردد عبارة "مش وقته" على غرار قيادات حركة الإخوان المسلمين في مصر، كرد وحيد على كل صوت منادي بإصلاح الأداء السياسي للحزب من داخله، ولكنها تردد عبارة أكثر تذاكياً وغباءً في نفس الوقت، وهي "خلونا نشتغل سياسة"!
عبارة "خلونا نشتغل سياسة" أصبحت سيفاً يشهره قيادات حزب الإصلاح ضد كل صوت من داخل الحزب يبدي ملاحظات ولو طفيفة على الأداء السياسي لقيادات الحزب، كما أنها هي العبارة الوحيدة التي أصابت الحزب بالشلل والترهل، وحولته من حزب كبير بإمكانه التأثير بقوة على المشهد السياسي الراهن، إلى حزب أوهى من بيوت العنكبوت، يتلقى الضربات الموجعة الواحدة تلو الأخرى، دون أن يبادر إلى الهجوم أو حتى الدفاع أو على الأقل تحاشي الهجوم، ويكرر في الوقت نفسه عبارة "خلونا نشتغل سياسة"، دون أن نرى أي "شغل سياسي" للحزب يصب في صالح الوطن أو حتى في صالح الحزب ذاته!
ولوحظ في الآونة الأخيرة تزايد سخط شباب حزب الإصلاح من الأداء السياسي لقيادات الحزب، لدرجة أن كل تصرفات القيادات صارت محل انتقاد وسخرية شباب الحزب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة الفيسبوك، وبدلاً من أن تقوم قيادات الحزب بتدارس هذه الظاهرة والنظر في سلبياتها وإيجابياتها، أطل رئيس الهيئة العليا للحزب، الأستاذ محمد اليدومي، بمنشور يقسم فيه أعضاء الحزب إلى أربعة أقسام، ووضع تقييم غبي لكل قسم، ظناً منه أنه بذلك سيقضي على هذه الظاهرة، وإذا بالانتقادات تطاله شخصياً، وأصبحت كل تصريحاته فيما بعد محل سخرية وانتقاد غالبية شباب الحزب.
لا شك أن قيادات حزب الإصلاح خذلت جماهيرها في لحظات التحول الكبرى في تاريخ البلاد، ومنها، قبول قيادات الحزب بالمبادرة الخليجية والتوقيع عليها ومنح المخلوع علي صالح حصانة تحميه من الملاحقات القضائية، ومبررهم في ذلك -مع شركائهم في أحزاب اللقاء المشترك- أن التوقيع على المبادرة كان من أجل حقن الدماء، مع أن علي عبدالله صالح إذا كان يدرك أن باستطاعته القضاء على الثورة بالعمل المسلح لفعل، ولكنه كان يدرك أنه أمام إرادة شعبية جبارة، عززها انشقاق جزء كبير وهام من الجيش وانضمامه إلى الثورة، وأيضاً الاستقالات المتوالية من حزبه وإعلان الكثير من قياداته الانضمام إلى الثورة.
كما أنه هو من لجأ إلى دول الخليج لتنقذه مما كان فيه عبر هذه المبادرة، كما أن المبادرة تم التوقيع عليها بموجب شروطه، ما يعني أن من وضع بنودها هو علي عبدالله صالح وليس الوسطاء الخليجيون. وعندما أبدى عدد من شباب الثورة احتجاجهم على توقيع أحزاب اللقاء المشترك على المبادرة الخليجية، وخاصة حزب الإصلاح، ابتكر ياسين سعيد نعمان جملة غبية للرد عليهم وهي "هذا ما لدينا.. ومن كان لديه حل آخر فليأت به"، وهي الجملة التي ظلت ترددها قيادات حزب الإصلاح، وزادت عليها كذبة أخرى، وهي أن المسار السياسي لعملية التغيير لا يتعارض مع المسار الثوري في الساحات والميادين،والمقصود بالمسار السياسي: التوقيع على المبادرة الخليجية ومنح علي صالح حصانة من الملاحقات القضائية وتقاسم السلطة.
وبعد توقيع المخلوع علي صالح على المبادرة الخليجية، وانتخاب عبدربه منصور هادي رئيساً توافقياً لمدة عامين، أخطأ حزب الإصلاح في رفع ساحات الاعتصام، وكان يفترض الإبقاء على ساحات رمزية على الأقل، لحماية الثورة من أي التفاف عليها. ثم أخطأ مرة أخرى عندما وجه أنصاره بإيقاف التظاهرات الأسبوعية التي كانت تتم بشكل أسبوعي كل يوم جمعة في شارع الستين، والمصيبة أن توقيفه للتظاهرات الأسبوعية جاءت بسبب الخطب النارية التي كان يلقيها فؤاد الحميري، والتي كانت تثير غضب وحنق المخلوع علي صالح وزمرته، وقد خلف رفع ساحات الاعتصام بشكل كامل، وإيقاف التظاهرات الأسبوعية، خلف فراغاً هائلاً في المسار الثوري استحوذت عليه ميليشيات الحوثيين، حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه.
ورغم المشاركة المحدودة لحزب الإصلاح في حكومة الوفاق الوطني، والتي لا تتعدى نسبة 5%، نصّب حزب الإصلاح نفسه مدافعاً عن الحكومة وأخطاءها، وصدق نفسه بأنه هو الحاكم الجديد لليمن، ربما تحت تأثير هجوم الوسائل الإعلامية المناهضة له، في الوقت الذي كان يهاجم فيه المخلوع علي صالح وحزبه الحكومة عبر وسائل إعلامه ليل نهار، رغم أن نصف الحكومة كانت من نصيب حزب المؤتمر، والنصف الآخر الذي تديره أحزاب اللقاء المشترك كان طاقمه الإداري في صنعاء ومختلف المحافظات من منتسبي حزب المؤتمر أيضاً، أي أن الحكومة بكاملها يديرها فعلياً حزب المؤتمر، فيما الوزراء من أحزاب اللقاء المشترك وحلفائهم مجرد ديكورات.
ومع بدء انتعاش الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، والتي استهلت بالانقلاب العسكري ضد حكم الإخوان المسلمين في مصر، نتيجة مؤامرات محلية وإقليمية ودولية، ارتبكت قيادات حزب الإصلاح، ولم تدرك كيف تتصرف إزاء الوضع الجديد، وبقت أسيرة مخاوفها التقليدية من المؤامرات، وكانت في الوقت ذاته تنتقد الأداء السياسي للإخوان المسلمين في مصر، وتعدد أخطاءهم، ونسيت أخطاءها، حتى وقع الفأس في الرأس.
ومع صعود قوة الحوثيين كميليشيات مسلحة تقتل خصومها بدم بارد وتنهب بيوتهم وشركاتهم التجارية وتفجر المنازل والمساجد، وتستهدف بدرجة رئيسية أعضاء وقيادات ومقار حزب الإصلاح، لم تبادر قيادات الحزب إلى تدارس ما يمكن فعله، على الأقل من زاوية الدفاع عن النفس، وبدأت ميليشيات الحوثيين باستهداف حلفاء الحزب القبليين والعسكريين، ثم دخلت إلى العاصمة صنعاء ودخلت بيوت كثير من قيادات الحزب وسرقت محتوياتها، كما سرقت ونهبت الكثير من أسلحة الجيش، بتواطؤ من الرئيس هادي ووزير دفاعه السابق محمد ناصر أحمد.
أحكمت ميليشيات الحوثيين سيطرتها على العاصمة صنعاء وبعض المحافظات، وسط غياب تام لقوات الجيش والأمن، وتمكنت من الاستفراد بخصومها الواحد تلو الآخر، حتى وصلت إلى مرحلة الانقلاب على الدولة ذاتها ومحاولة ابتلاعها، ومحاصرة رئيس الجمهورية داخل منزله وطرد حراسته الشخصية بعد قتل وجرح عدد منهم، ووصلت الأوضاع إلى طريق مسدود.
ومؤخراً، تزايد الغضب الشعبي والإقليمي ضد ميليشيات الحوثيين، كرد فعل على عربدتهم الأخيرة والتي وصلت حد إهانة رئيس الدولة ذاته ومحاصرته داخل منزله، بالإضافة إلى محاصرة رئيس الوزراء المستقيل وعدد من الوزراء داخل منازلهم.
وبدلاً من أن تستغل قيادات حزب الإصلاح حالة السخط الشعبي هذه، وتبادر إلى التحالف مع القوى القبلية والسياسية والعسكرية الرافضة لعربدة ميليشيات الحوثيين، صدمت جماهيرها باستجابتها لدعوة الحوثيين للحوار من أجل الضغط على الرئيس هادي للتراجع عن استقالته، وهي الاستقالة التي يمكن وصفها بـ"الانقلاب العسكري المغلف بالاستقالة" كونها جاءت تحت تهديد سلاح الحوثيين من أجل فرض مطالب خيالية على الرئيس هادي.
ورغم أن حزب الإصلاح أعلن انسحابه من المفاوضات مع الحوثيين التي كانت ستتم بإشراف المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر، إلا أن هذا الانسحاب لا يبرر جريمة قبوله الجلوس مع جماعة إرهابية ومتمردة مثل جماعة الحوثيين، ذلك أن الجلوس معها على طاولة الحوار يمنح أفعالها على الأرض شرعية تمكنها من الاستمرار في ذلك، دون الالتزام بأي اتفاق، كما لا ننسى بأن بعض قيادات حزب الإصلاح ذهبت أكثر من مرة إلى محافظة صعدة للالتقاء بزعيم ميليشيات الحوثيين عبدالملك الحوثي، وهي الزيارات التي جعلت قواعد وجماهير الحزب تشعر بالمرارة، الأمر الذي دفع بعضها إلى مغادرة الحزب.
لعل من محاسن رحيل الرئيس هادي أنه عرى ميليشيات الحوثيين، وأظهرها على حقيقتها، وأثار الغالبية العظمى من أبناء الشعب ضدها، لدرجة أنه حتى الأقاليم الشمالية أعلنت رفضها تلقي الأوامر من العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى إقليمي الجنوب، ما يعني اليوم أن كل الأقاليم تحكم نفسها ذاتياً، ووسط هذه الصدمة، شعرت جماعة الحوثيين بالعزلة السياسية، وأنها خسرت المكاسب التي حققتها على مدى ثلاث سنوات خلال لحظة واحدة، خاصة بعد أن بدأت حدة الغضب الشعبي تعبر عن نفسها من خلال المظاهرات الصاخبة في الشوارع، بشكل يذكرنا بثورة فبراير 2011.
ووسط هذه العزلة والصدمة التي تلقتها جماعة الحوثي، لجأت إلى حزب الإصلاح وأحزاب اللقاء المشترك لتنقذ نفسها من الورطة التي أوقعت نفسها فيها، وبدلاً من أن يلتحق حزب الإصلاح بالشارع وبالقوى المناهضة لجماعة الحوثي، إذا به يقبل بالحوار معها، الأمر الذي شكل صدمة قوية وغير متوقعة لجماهير الحزب، التي لم تصدق أن قيادات الحزب لم تستفد من أخطاءها السابقة.
كما أن هناك أخطاء مزمنة لم تعمل قيادات الحزب على تجاوزها، مثل سلبية الأداء الإعلامي، وتقييد حرية العاملين في الوسائل الإعلامية التابعة للحزب أو المقربة منه، وكثرة الخطوط الحمراء التي تضعها قيادات الحزب على إعلامييها، بالإضافة إلى عدم تطوير أساليب العمل التنظيمي وأساليب الحشد الجماهيري، والبقاء أسرى لحديث المؤامرة، وكأن السياسة ليست مؤامرات ومؤامرات مضادة. وأخيراً، البحث عن مبررات للأخطاء الكارثية التي ترتكبها القيادات المتحكمة بالقرار السياسي للحزب، بذريعة أنهم "يشتغلون سياسة"!!.