قرار حضرموت.. أين؟

وحضرموت اليوم تمر من فوق هذه القنطرة التي هي أشبه بالسراط المستقيم المنصوب على متن لحظة الزمن الفارقة، إما أن تتجاوزه إلى بر الأمان أو أن تتخطفها كلالب النار لتلقي بها في قعر الجحيم ردحاً من الزمن.

لسنا في ترف من الوقت لنختار أما أن ندلي بدلونا ونقول ما تمليه علينا مسئوليتنا السياسية والأخلاقية.  أو أن نؤثر السلامة والصمت وكأن الأمر لا يعنينا.

عن نفسي قررت أن أدلي بدلوي، ولو كانت بضاعتي إنما هي مجرد كلمة سأدونها هنا لعل من يستمع القول فيتبع أحسنه.

ماذا يحصل في حضرموت اليوم ؟.

أظن بأن هذا السؤال لم يعد خافياً على أحد .
هناك تجاذب كبير وواضح بين:

ـ حلف قبائل حضرموت بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش ومن يقف خلفه من أبناء حضرموت وممن سيراهم العالم يحتشدون يوم السبت القادم في الهضبة دعماً لموقفه. والذين يرون أن تكون  حضرموت طرفاً مستقلاً في أية معادلة قادمة. وتسوية ربما باتت أقرب من أي وقت مضى.

والطرف الثاني محافظ المحافظة المدعوم من قبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي.

هذا الأمر أظنه واضح للجميع.

دعونا ندخل في صلب الموضوع. واستسمح المستعجلين الذين لا يروق لهم قراءة المقالات الطولية أن ينسحبوا راشدين.

عن الشيخ عمرو بن حبريش عن نفسي ما زلت إلى هذه اللحظة أقول أنه شخص ذكي وذكي جداً، يدرك اللحظة ويحسن استغلالها. هذه المرة تختلف عن المرات السابقة، قد يكون في المرات السابقة استغلها لصالحه الشخصي بدرجة أساسية، وقد حقق لنفسه شيئاً كثيراً مقارنة بما كان الجميع يتوقعه، وجاء على صهوة المكانة الاجتماعية ليحجز له رقعة كبيرة على مسرح المشهد السياسي وربما العسكري. أما هذه المرة إذا وجد تعاطفاً من الحضارم ربما يحقق شيئن مقترنين: أحدهما مجداً شخصياً يضاف إلى أمجاده السابقة. وثانيهما مجداً عاماً لحضرموت يوصلها إلى بر الأمان على الأقل في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة وينقذها من بين افكاك الاسود المفترسة التي تتربص بها ذات اليمين وذات الشمال. وقد ربما يحقق حضوراً وطنياً وإقليمياً لا يستهان به. ومن يدريك.

اليمن اليوم بات قاب قوسين أو أدني من انفراجة كبيرة حسب المراقبين والمتابعين وسوف يصل الجميع إلى ساعة الاستحقاق النهائي، ومن لم يحضر حسب  ما يقول المثل ( جابت شاته تيس). الاطراف الأخرى تريد أن يتغيب الحضارم عن الحضور في هذه الساعة الحاسمة حتى تكون حضرموت من نصيب أيٍ منهم . لكن حسب ما أظن بأن الشيخ عمرو وبذكائه الفطري اللماح وطبيعته التي يستطيع أن يدرك فيها اللحظة المناسبة ويقوم بالتحرك المناسب قد رفع الصوت ليقول للجميع بأن حضرموت حاضرة فوق قسمها ولن تترك غيرها يتحدث عنها هذه المرة. وهذا ما جعل عيدروس الزبيدي يخرج عن اللباقة في الحديث عند زيارته الأخيرة للمكلا.

صحيح حضرموت ربما لا تمتلك تلك القوة الخشنة التي يحسب لها الآخرون حساب وكانوا يظنون أنها ستكون لقمة سائغة ليلة تقاسم التركة. غير أن حركة ذكية من الشيخ عمرو قد أحدثت زلزالاً مروعاً أرعب الجميع وبات يشمل كابوساً أمام طموحاتهم. ما هذا الشيء الذي أحدث كل ذلك القلق؟!

بكل بساطه. إنها الهضبة. وكفى. إنها نقطة القوة الناعمة التي يمتلكها الحضارم  والتي سيذعن لها الجميع. وسأيتون إليها صاغرين. كيف إذا كان الأشقاء في المملكة قد قرروا الدعم والمساندة لهذا التحرك بما يضع حضرموت في المكانة اللائقة بها.  وانا على ثقة أن الجنوبيين لو وجدوا الفرصة يوما ما لاستخدموا الهضبة بل سيستخدمونها للضغط بها لكن لصالح الجنوب وليس لصالح حضرموت كما يفعل الحلف اليوم. لما لا وقد استخدمها الجنوبيون فيما عرف حينها بالهبة الثانية. ( هبة حرو).

وقد أكرر هذه العبارة مراراً بأن نهاية الحروب ولحظات تسوينها لا يشارك فيها ويوقع على بنود النصر فيها إلا من يمتلك قوة فاعلة وليس من يمتلك اخلاق عالية وحسن سيرة وسلوك.

كنا نتمنى أن تكون لنا قيادة سلطة محلية كالتي في مأرب تشارك مع السلطات العليا في القرار وتحتمي بالعمق المجتمعي في القاعدة. لكن للاسف لم يحصل ذلك.
 أما وقد أنبرأ لذلك الحلف بقيادة الشيخ عمرو. فلن يجد الحضارم بداً من أن يقفوا إلى جانبه حتى يتم تجاوز هذه اللحظة الهامة من تاريخنا المعاصر.

الاتهام المبطن الذي أطلقوه على أن الحوثي يدعمه وروجوا له بخبث أبطلته الطائرة الملكية السعودية قبل أن يبتل صوفه، ثم أن الشيخ عمرو ليس بغبي حتى يضع يده في رهان خاسر بات يلفظ أنفاسه الأخيرة وهذا الامر معروف عن الشيخ عمرو فهو ممن يلتقط اللحظة وليس ممن يضيعها. يدرك الشيخ عمرو أن الحوثي قد نفد رصيده محلياً وإقليمياً ودولياً، ثم أنه يعلم أن الحوثي ليس له حاضنة شعبية في حضرموت على وجه الخصوص وفوق ذلك كله يدرك أن المغامرة مع الحوثي يذهب ضحيتها الكبار قبل الصغار فالحوثي لا يقبل لأي رأس أن يداني رأسه فضلاً عن أنه يعلو عليه، وهذا ما يتعارض تماماً مع منطلقات الشيخ عمرو كما عرفناه، فهو يرى نفسه رأساً في هذه البلد وقد بذل في ذلك الكثير وقطع في هذا الطريق مشواراً طويلاً. وهو ليس غبياً لهذه الدرجة حتى يكرر خطأ مشائخ قبائل صعدة وحجة وعمران وطوق صنعاء وعلي عبدالله صالح. وما أسهل التهم التي ليس عليها برهان.

وخلاصة القول هو أن على الحضارم اليوم أن يحكموا العقل وأن يتعالوا فوق الصغائر وأن يضعوا أيديهم بأيدي بعض، بحيث تكون حضرموت حضرموت لا شريك لأحد فيها ط، وأن تكون طرفاً مستقلاً يشارك في صناعة اللحظة بقراره المستقل وليس تابعاً لأحد. وأن هذا الخيار لن يكون سهل المنال لكن من دونه خرط القتاد كما يقال،  حتى يقيموا لحضرموت شأن من الآن وليس من بعد أن يفوت الأوان. وما لمسته ويلمسه كل مراقب هو أن الشيخ عمرو يمتلك ميزة الذهاب الى شفير الهاوية وأنه على استعداد لتقديم مالا يقدر على أن يقدمه أي شخص غيره ولو كلف الأمر ما كلف .... وهذه نقطة مهمة في انتزاع المكانة في مثل هذه الظروف.

فالبلد تمر بحرب وهي في لحظاتها الأخيرة - بإذن الله تعالى- وستخرج بتسوية قريبة - بإذن الله - والتسوية بعد الحروب لا يصنعها ويشارك فيها غير من له قوة وشكيمة وناب ومخلب. أما من قد كسر نابه وعطل مخلبه ثم راح يرمي بنفسه على موائد الآخرين فلا يلوم الا نفسه حين يجد نفسه قد باعها بارخص الأثمان.

مقالات الكاتب