الهوية الوطنية والحس الأخلاقي في اليمن

يقول علماء النفس الاجتماعي أن هناك علاقة قوية وعضوية بين المنظومة الأخلاقية للفرد والجماعة أو الحس الأخلاقي بعبارة أخرى، والشعور بالانتماء والولاء للوطن. إنهما عنصران متربطان متكاملان متفاعلان كل واحد منهما يغدي الآخر، مثل العلاقة بين صحة عقل الانسان وجسده أو نمو جسم الطفل مع زيادة عمره وهو ما يعرف في علم الإحصاء بمعامل ارتباط بيرسون الذي يقيس قوة العلاقة بين متغيرين وارتباطهما ببعضهما بعض.

كشفت الحرب الأهلية الأخيرة حصيلة تكاد تكون صفرية في اليمن (لمعامل بيرسون) وهو ما يرمز إلى ضعف شديد في الانتماء أو الولاء للوطن والحس الأخلاقي لدي نسبة كبيرة من اليمنيين ممن يصنعون الواقع الراهن أو يتماهون معه. 

وهذه العلاقة السلبية المشوهة هي حصيلة عقود طويلة متلاحقة من الفساد السياسي والاقصاء الاجتماعي والمظالم المتراكمة والثقافة الأنانية المتسخة والتربية الاسرية والمجتمعية الممسوخة التي كرست جميعها الفقر والجهل والتخلف، وقادت في النهاية الى غياب الحس الأخلاقي وضياع الولاء والانتماء. 

 إذا أُصيب القوم في أخلاقهم.....فأقم عليهم مأتما وعويلا

إن الشعور بالولاء الوطني ينبغي إن يصدر عن شخص له حس أخلاقي رفيع. ومن دون هذا الأخير ينعدم الولاء، ولا التزام أخلاقي من دون ولاء. أن التربية الأسرية والاجتماعية والسلوكيات والممارسات الفردية والجمعية والمؤسسية السليمة هي بمثابة التربة التي تنمو على سطحها الأشجار المثمرة. والتربة اليمنية الرسمية والمؤسسية الجمعية بدت لعقود مضت قاحلة من السلوكيات النبيلة والقيم الرفيعة فاسدة ومُعطِّلة لكل ما أكتسبه اليمنيون على مدى أجيال مديدة من ثقافة جميلة خلاقة وقيم رفيعة سامية. وكما يقول (آنتونيو جرامشي) أن النظام السائد يخلق الثقافة السائدة.

نشهد اليوم مع الآسف والحزن في آن واحد التشهير والتحقير بالهوية اليمنية التي تعتبر من بين أقدم الهويات في التأريخ وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على انعدام الولاء للوطن، والبحث عن هويات مزعومة و مختلقة تحقق لأصحابها مكتسبات مادية وسياسية وضيعة وأخري آنية لمروجيها ومموليها. أنما الأمم الأخلاق ما بقيت...... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

الولاء للوطن فضيلة عظمى لا ينالها إلا من ذوي الاخلاق والحس الرفيع ولا يدعمها وينشر عبيرها الا الأنبياء والاسوياء من البشر. ما نقصده هنا هو الولاء إلى هذه الأمة اليمنية العظيمة بتاريخها العريق الذي يمتد لآلاف السنين وتراثها الغني ولغتها السامية التي هي لغة القرآن الكريم. إن الشعور بالانتماء يقود حتما إلى الشعور بالمسؤولية عن مصير هـذا الوطن وسكانه الذين يقاسون الويلات والمصائب العظام كنتاج لأفعال وكبائر أولئك الذين يزعمون أنهم ينتسبون إليه.

إن الشعور بالمسؤولية عما يحيق باليمن والعمل الجاد والعاجل على إنقاذه من مصير مجهول يتطلب من أبنائه حسا أخلاقيا رفيعا ورغبة بالتضحية مشفوعة بالقدرة، صقلتها التربية الاسرية البنّاءة والثقافة المجتمعية الخلاقة والسلوك القويم والممارسات الدينية الأصيلة الصحيحة. هـذه المنظومة الكلية للفرد والمجتمع هي التي من شأنها أن تحرك الشعور بالالتزام في الدفاع عن اليمن وأهله بعيدا عن الإغراءات وصنوف الإكراه، لا خوفا من عدو ولا طمعا في مكافأة، بل هو شعور وطني جامح بهذا الواجب. صلاح أمرك للأخلاق مرجعه.....فقوّم النفس بالأخلاق تستقم

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم على كل لسان، لماذا يترك الوطن اليمني هكذا نهبا للأطماع والضياع، ومتي سيذود عنه أبناءه بأنفسهم لإنقاذه؟