اليمين الصهيوني الذي قتل رابين.. هل سيقبل بالسلام مع العرب؟
قبل يومين مرّت بنا الذكرى السنوية الـ28 لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، على يد متطرف يهودي ينتمي لليمين الصهيوني بزعامة مجرم الحرب النتن ياهو الذي يقود اليوم حرب إبادة على قطاع غزة منذ نحو شهر.
رابين كان يرأس حكومة الكيان الصهيوني بعد فوز حزبه (العمل) في انتخابات العام 1992، ليخلف سلفه الصهيوني المتطرف زعيم الليكود حينها إسحاق شامير، ورابين هو أحد زعماء الكيان الإسرائيلي، سياسي بارز تولى رئاسة الحكومة مرتين، المرة الأولى بين عامي 1974-1977، والثانية في 1992-1995، وهو عسكري سابق في الجيش، التحق به بعدما كان أحد أبرز عناصر فرقة الهاجانة الإسرائيلية، وهي مليشيا مسلحة تكونت في فلسطين عام 1921 لحماية العصابات اليهودية القادمة لاحتلال فلسطين، وقد ارتكبت انتهاكات عديدة بحق الشعب الفلسطيني، وأصبحت هذه المليشيا النواة التي تشكل منها جيش الاحتلال والكيان الذي اقترف- ولا يزال حتى اللحظة يقترف أبشع الجرائم بدعم من بعض دول العالم وتواطؤ وصمت البعض الآخر.
وهذا يكشف أن رابين المولود في العام 1922 لم يكن حمامة سلام كما يتصور البعض، بل كان واحداً من زعماء الكيان الإرهابي لا يختلف عن زملائه ورفاقه شارون وشامير والنتن ذاته، إلا في بعض التفاصيل، وبعض هذه التفاصيل جعلت اليمين الصهيوني المتطرف يتبنى حملة سياسية وإعلامية لاستهدافه والتمهيد لتصفيته باعتباره عقبة تقف في طريق النازيين الجدد، أو الجيل الثاني من مجرمي الكيان الصهيوني نتنياهو وباراك وبقية القتلة.
كان اليمين الإسرائيلي يتهم رابين بالتفريط في أراضي (يهودا والسامرة)، في إشارة إلى موافقته على اتفاق السلام المزعوم مع منظمة التحرير الفلسطينية -اتفاق أوسلو عام 1993، ثم اتفاق غزة- أريحا، وهي اتفاقيات رعتها الولايات المتحدة الأمريكية، وتهدف إلى وضع حد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع أن هذه الاتفاقات التي وقعها رابين لم تمنح الفلسطينيين سوى الفتات من الأرض ولم يكن فيها أي ضمانة لهم، لذلك كانت أشبه بالسراب الذي لم يحمل سوى اتفاقات ثنائية للتنسيق الأمني، بمعنى أن يتحول الثوار الفلسطينيون إلى مخبرين وموظفي شرطة لدى الاحتلال الإسرائيلي وفي مربعات جغرافية وإدارية محدودة، لا تسلم هي الأخرى من سطوة الاحتلال وقواته وأجهزته.
حصل رابين وياسر عرفات حينها على جائزة نوبل للسلام، لكن السلام لم يتحقق منه شيء، لأن الاحتلال استمر في ارتكاب الجرائم وبناء المستوطنات والتنكيل بالشعب الفلسطيني – سواء في ذلك الموجودين في أراضي 1948 أو أراضي الضفة والقطاع المحتلة في حرب حزيران 1967، أي ان رابين لم يتنازل بشيء- حتى الاتفاقات جرى التحايل عليها، لكن اليمين صعد في حربه ضد رابين، وتحركت المظاهرات ضده، وكان زعماء اليمين لا يكفون عن اتهامه بالتفريط في أراضي إسرائيل.
"خلال الأشهر السابقة لاغتياله أجرت الجمعيات الدينية اليهودية في إسرائيل والولايات المتحدة نقاشات ساخنة للتأكد من أن أفعال رابين كانت تصنف ضمن المقولات الدينية القديمة التي تسوغ اغتياله"، هكذا يلخص المؤرخ الأرجنتيني بيدرو بريجر- Pedro Brieger لطلابه، وهو الذي درس ودرّس موضوع الصراع العربي- الإسرائيلي لأكثر من 30 سنة. ويضيف: "ألصقت آلاف الصور لرابين وهو يرتدي الكوفية التقليدية التي كان يستعملها ياسر عرفات، وفي المظاهرات كانت توزع صور رابين مرتدياً الزي النازي، دون أن يتخذ زعماء اليمين المتطرف – بخاصة بنيامين نتنياهو، أي إجراء يحول دون ذلك".
حلت صبيحة الرابع من نوفمبر 1995، حينها أقدم أحد عناصر اليمين الإسرائيلي ويدعى إيغال عامير على اغتيال رابين بإطلاق الرصاص التي أودت بحياته، وبارك بعض الحاخامات اليهودية هذا الاغتيال، بل إن استطلاعات الرأي التي أجريت عقب الاغتيال كشفت أن 30 % من شباب إسرائيل يعتبرون إيغال عامير بطلاً قومياً.
ويكاد يكون الوحيد- من بين رؤساء حكومات الاحتلال الذي قضى مقتولا بهذه الطريقة.
والخلاصة أنه إذا كان اليمين الصهيوني قتل أحد زعماء إسرائيل، وهو لا يقل عنهم إجراما وإرهابا، فكيف يمكن أن نتوقع من هؤلاء سلاماً أو حتى مجرد حديث عن السلام والحلول السلمية.
عصابات القتل التي تربت على الغدر والإرهاب لا يمكن أن تتحول إلى حمائم سلام فقط لأن بعض المغفلين من العرب يحلمون بالسلام الواهم.