في الذكرى الـ50 لانتصار أكتوبر المجيد
لا الليل في الضفة الأخرى ولا النُذرُ
ولا الدمــاءُ- كمـا الأنهارِ- تنهمرُ
ولا الذئـاب وقد أقعتْ على حذرٍ
وحولهـــا تـــزأَر النيـــران والحُفَرُ
لا هذه سوف تثنينــــــــــا ولا خطرٌ
يصد جيشـــاً دعـــاه الثــأر والظفرُ
جيشاً تمرَّدَ- صبراً، فـــي مواقعــهِ
وكــاد فــــي الانتظــار المرِّ ينفجرُ
مضى ليثأر مـــــن أعدائه ومضتْ
في ركبه الشمسُ والتـاريخُ والقدَرُ
(من قصيدة العبور للشاعر اليمني الراحل عبدالعزيز المقالح)
بعد مرور خمسين سنة على ذكرى الانتصار المصري العربي على إسرائيل في حرب أكتوبر/تشرين أول 1973م، يطلق عليها حرب "حرب العاشر من رمضان" 1393هـ، كما تسمى أيضاً بـ"السادس من أكتوبر"، نسبة لتاريخ حدوثها في التقويمين الهجري والميلادي، أما تل أبيب فقد أطلقت على هذه الحرب اسم "كيبور"، أي عيد الغفران، مثلما يسمون حرب يونيو/حزيران 1967 بـ"حرب الأيام الستة".
تأتي هذه الذكرى وقد أفرجت واشنطن وتل أبيب عن آلاف الوثائق السرية العسكرية والسياسية والمخابراتية المتعلقة بحرب أكتوبر، ومنها مراسلات كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق مع كل من القادة السوفيت ومع القيادات الإسرائيلية، خاصة جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل حينها.
تعترف شهادات الضباط الإسرائيليين أن المصريين والسوريين قاتلوا بشجاعة وبسالة منقطعة النظير، كما تفيد الوثائق الأمريكية أن الأمريكان لم يحملوا التهديدات العربية من مصر وسوريا محمل الجد، ووفق تعبير أحد القادة الأمريكيين: كان الإسرائيليون قد غسلوا أدمغتنا بعدما غسلوا أدمغتهم بأنفسهم.
ولا شك أن هذه الحرب ألقت بآثارها على الأوضاع العربية والإقليمية والعلاقات الدولية، ذلك أنها جعلت واشنطن تعيد قراءة الصراع العربي الإسرائيلي وتبدأ في تقوية دورها الدبلوماسي، بعدما قدمت نفسها كحليف رئيس للاعتداءات الإسرائيلية سواء قبل الحرب أو خلالها، سيما تلك الانتهاكات التي ارتكبها الإسرائيليون بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار، وهو الاتفاق الذي فرضه الأمريكان والسوفييت.
ولم تقتصر وحدة القرار العربي على تنسيق الجهود العسكرية بين القاهرة ودمشق بل تعدى ذلك إلى إيقاف تصدير النفط خاصة بعدما أقامت الولايات المتحدة جسراً جوياً لدعم إسرائيل، فكان ذلك الإيقاف بداية أزمة كبرى عالمية.
وكان أهم دروس أكتوبر بالنسبة للإسرائيليين أنه بالإمكان هزيمتهم بعدما عاشوا سنوات على وهم أنهم الجيش الذي لا يقهر، خاصة بعد الانتصار الخاطف الذي حققوه في حرب العام 1967، وهو الانتصار الذي أسفر عنه السيطرة على أراض فلسطينية جديدة بالإضافة للضفة الغربية وقطاع غزة وجزء من سيناء ومرتفعات الجولان السورية. حتى أنهم باتوا يهددون العواصم العربية في مصر وسوريا.
تسللوا عبـــر ليلٍ لا نجـــومَ بـــه
وأصبحوا وهم السمــــــار والسمرُ
لكنهم حصدوا موتـًا وعاصفـــــةً
وفوقهم تقصـفُ الأشجـار والمطرُ
تقهقروا خلفهم رعبـــًــا بلا أمــل
وقيل لـن يقهروا يومًا وقـد قُهروا
تساقطوا كفراشـــــاتٍ ملوثـــــةٍ
في الرمل واحترقوا في النار أو أُسروا
لقد كان انتصاراً عربياً مجيداً أعاد جزءًا من الحق العربي إلى أهله، وسيظل هذا الانتصار خالداً في الذاكرة العربية المتخمة بالهزائم والأحزان والمآسي لأمد طويل، والدليل أنه بعد مرور نصف قرن من الزمن على هذه الحرب لا تزال باقية في وجدان العرب وعقولهم، وعلى الرغم أن بعض الأنظمة أعلنت التطبيع مع العدو الصهيوني، فلا تزال جرائم هذا الكيان ماثلة وحاضرة في التاريخ كما في الواقع، في فلسطين كما في غيرها، لذلك يبقى انتصار أكتوبر المجيد حدثاً تاريخياً عربياً تتذكره الأجيال العربية بكل فخر واعتزاز.
أبطالنـــا عبروا مـــأســـاة أمتهم
ونحـن في كفـنِ الألفــاظ نحتضرُ
تقدموا عبر ليلِ الموتِ ضــــاحكةً
وجوههم، وخطــوط النــار تستعرُ
وأشعلوا في الدجى أعمارهم لهباً
للنصر واحترقــوا فيــه لينتصروا
عبورهم أذهل الدنيــــا ومــوقفهم
تسمَّـــــرتْ عنده الأقــــلام والسِيَرُ
وددتٌ لو كنتٌ يومــاً في مواكبهم
أو ليتني كنـت جسراً حينمـا عبروا