وفاة الإعلامي رفيق مدّي.. صوتٌ يشبه اليمن وصمتٌ يجسد واقعها
توفي هذا الأسبوع الإعلامي اليمني المعروف/ رفيق مدّي صاحب الصوت الإذاعي الأبرز والرصيد الناصع والسجل الكبير في خدمة قضايا الشعب والثورة من خلال أدائه الإعلامي المميز لسنوات طويلة، في عدد من القنوات الفضائية اليمنية.
رفيق كان صوت اليمنيين، وفي حضوره الأنيق كانت تحضر اليمن بجمالها وروعتها، لصوته وقعٌ لا تخطئه الآذان، كلما انطلق بهياً وندياً يختصر شجون البلاد في نبراته، وفي ندى كلماته تشرق اليمن، وفي حضوره الأنيق تحضر حضرموت، وتلوح صنعاء وتتجلى عدن، لكن الوضع لم يستمر على حاله فدوام الحال من المحال.
تغيرت أوضاع اليمن – ورفيق ابنها كان في طليعة المتأثرين بتدهور الأوضاع العامة، خاصة بعدما اشتعلت الحرب وانتشر الدمار والخراب، ذوى الصوت الإذاعي الذي كان يوماً صوت الثورة، وأخذت الأمراض والأوجاع تتسلل إلى جسد رفيق – بالتوازي مع تسلل الأوجاع والمليشيا إلى جسد اليمن عامة، أثخنت الجراح البلد الحزين، وتناوبت الأمراض على جسد المذيع الذي كان صوته يملأ الدنيا ويطرب المسامع والوجدان.
في السنوات الأخيرة كان رفيق يقضي أيامه متنقلاً بين الأطباء والعيادات بحثاً عن علاج يخفف آلامه الناجمة عن إصابته بأمراض القلب والسكر، وبعدها ساءت حالته بعدما أدى السكر إلى تضخم في القلب واعتلال في شبكة العين، ثم أقبلت الغرغرينا تطالب بحصتها من الجسد المثخن، فأجبرته على بتر جزء من قدمه، وتواصلت معاناته، وسط خذلان الجهات مختصة والأصدقاء والزملاء وما أكثرهم، "لكنهم في النائبات قليلُ". ومن هؤلاء بقي الأستاذ معمر الإرياني وزير الإعلام يمثل حالة استثناء حيث كان الأقرب والأسرع إلى رفيق ومعاناته التي بدت أكبر من مساعدة الوزير.
ومثلما كان رفيق يشبه اليمن إشراقاً وبهاء، غدا في معاناته أكثر شبهاً باليمن في محنتها الراهنة، أمراض تنهش جسده وخذلان يحاصر روحه، وكذلك هو واقع اليمن، تداهمها المخاطر من الاتجاهات فلا تجد سوى الخذلان يحيط بها، ما أشبه رفيق باليمن، وما أشبه اليمن برفيق.
كنت أنا وصديقنا عمر محمد حسن على موعد مع رفيق للقاء يتجدد، لكن الموت كان الأسرع، أجهز على رفيقنا، وأجهز على أحلامنا وآمالنا بالحصول على منحة علاجية تخفف أوجاعه، ليمضي رفيق إلى الرفيق الأعلى حاملاً معاناته ومرضه، صوته وصمته، قلبه وابتسامته، حلمه بيمن أفضل حالاً ومستقبل واعد.
عندما بدأت معاناة رفيق مع المرض تركه المعنيون من زملاء المهنة ومسؤولي الإعلام الذين عمل معهم سنوات طويلة، وبقي وحيداً في منزل جده بحافة القاضي في كريتر عدن، يواجه أمراض السكر والقلب والعين، وأعباء الحياة وهمومها الكثيرة، تضاءلت أحلامه التي كانت يوماً بحجم اليمن الكبير، حتى صارت تقتصر على استفسار بسيط لدى مشفى حكومي، حول تضخم القلب، ولعله مات قبل أن يجد سؤاله جواباً وهو الذي طالما كان صوته يجوب الآفاق.
ظل يكابد الأسى ويقضي أيامه المثقلة بالألم، متنقلاً بخطى وئيدة في شوارع مدينته عدن، واجماً لا يشكو رغم ما طال جسده وروحه من أضرار ومتاعب، لقد آثر أن يلوذ بالصمت، فقد أوقف صوته على خدمة بلاده، وكذلك بات صمته، بعدما صارت أصوات الطبول الجوفاء والأواني الفارغة تتصدر المشهد ليزداد الواقع سوءاً وتشتد وطأة المأساة.