البيت العدني والنضوج الفكري
الخوض في القضية العدنية , يحتاج لباحثين مختصين متسلحين بوعي يمكنهم من الخوض في أسباب ودواعي ,ما حدث في الماضي , وما يحدث الآن , وما سيحدث في المستقبل , خاصة وأننا نعيش في عصر المتغيرات الدولية , والتفاعل مع هذه المتغيرات يساعد على نضوج الوعي الفكري والإنساني للقضية .
علينا أولا أن نعترف أن القضية العدنية , هي قضية فكرية وثقافية وسياسية , أكثر مما هي قضية صراع حول الجغرافيا , حتى لا يتوه البعض في مسالة حدود المكان , بعيدا عن الهوية الثقافية والفكرية لعدن , او الخوض في تفاصيل المولد ,بعيدا عن ثقافة المولود , أي أنها مدينة ومدنية , حاضنة للتعدد والتنوع الثقافي والسياسي والعرقي , تعايشت فيها كل الأطياف والأعراق , فكانت منار شع نوره المحيط , وتبلورت فيه أفكار المشروع الوطني والإنساني , ومنها نشأة نواة الحركة الوطنية اليمنية ,التي شكلت دعما مهما للمشروع العربي والقومي والإسلامي .
صحيح ما يطرح أن القضية العدنية ليست مظلومية , ولن تكون أيضا قضية ثار وانتقام , لم تستهدف عدن بسبب مواقعها , الموقع يمكن احتواؤه واستثماره , الاستعمار قادر على البقاء في بيئة قابلة للخضوع والاستسلام ,استهدفت بسبب نضوج مجتمعها الفكري والثقافي , والمنسوب العالي للروح القومية والعربية في الوعي المجتمعي, وثقافة الإنسان والإنسانية التي تحلت بها عدن , استهدفت باعتبارها بيئة قادرة على ان تنهض بمشروع الامة , ولهذا كانت بيئة صعبة على استمرار المستعمر , وتنفيذ مخططاته التامرية , ورفضت كل مشاريعه الاستعماري ومنها الجنوب العربي , وبعد قنبلة المطار قرر المستعمر ترك عدن , والتآمر عليها , ونفذ سياسته التامرية ( فرق تسد ) التي ما زالت لليوم تأتي اكلها , وبفعل الغباء تحول الكثير منا أداة من أدوات هذه السياسة , يعيش دور الضحية وهي تنوح وتبكي وتشكي , يدعو للثأر والانتقام , مضاعفا حجم التراكمات , حاله تلتقي في خط متوازي مع المتاجرين والمزايدين بالقضية , حالة بؤس واسى , لا تنجز اختراقا , ولا تحدث تغيرا , مع سلطة لا تعترف إلا بالأرقام الفاعلة أمامها .
هذا البؤس سببه عقول شاخت , من كثر التنافس المحموم حول المؤسس والزعامة , واي مشروع يبرز اليوم برؤية وفكر تجديد وتغيير , لن تسمح له تلك الديناصورات ان يشق طريقه , دون ان تتهافت عليه , في محاولة للاستئثار به واستغلاله لنفس النوايا , وهي تجزئة المجزئ , همهم الدعم , والمضي في دور الضحية , ومجالس النواح , شاكين باكين , يريدونه بندقية لتصفية الحسابات القديمة , , بندقية تبدأ باغتيال فكرة المشروع , ليجعلوا منه مكون مفروغ الهدف والرؤية , ليضاف لكومة أطلال مكوناتهم الرثة , والضحية عدن والقضية .
لهذا نؤكد هنا ان القضية العدنية هي قضية وعي مجتمعي , وعي يتعرض للتدمير من داخل المجتمع العدني ومن خارجه , والهدف هو إخضاع عدن لمشاريع رفضتها سابقا , ويجب القبول بها مجبورة اليوم , و بإذلال ومهانة , من خلال تعطيل مقوماتها الاقتصادية أولا , وتدمير مقوماتها المدنية , والملاحظ اليوم ان كل المقومات الاقتصادية معطلة , وكل المقاومات المدنية المتمثلة بمنظمات المجتمع المدني , يتم تصفيتها والاستحواذ والاستئثار بها , وافراغها من محتواها الحقيقي , لتتحول لمجرد لافتات تخدم الحاكم والمهيمن على عدن .
عدن التي تتعرض اليوم لتجريف حقيقي لتنوعها الثقافي والفكري , وتعددها السياسي , وتعايش الأطياف والأعراق والمذاهب والعقائد , واستهداف أي تكتل او ائتلاف حقيقي يمثلها , مخطط معد له جيدا منذ 67م , يجب ان تغلق عدن , وتحتكر سياسيا وثقافيا لفكر بذاته , يمنع أي تنوع وتعدد , هذا الاحتكار دمر موقع عدن الاقتصادي , ولم يسمح لها بالتنافس الاقتصادي مع العالم , وبالتالي فقدت عدن دورها في المنطقة , شيئا فشيئا فل نورها , وعندما همت للنهوض بعد ثورة الربيع ورفض صفقات الفساد ( صفقة شركة دبي وميناء عدن ) عاد المستعمر يرسل أدواته من خلال التناقضات, واستخدم الأدوات الغبية , التي دمرت عدالة القضية الجنوبية , وهي نفس الأدوات الغبية التي تريد تدمير عدالة القضية العدنية , ودور عدن الثقافي والفكري في عملية التحول السياسي .
هل يفهم أبناء عدن ما يحاك لمدينتهم من مؤامرات , وما يزرع فيهم من أدوات استخباراتية تحمل القضية وهي تنخرها من الداخل , والبدء في البحث عن خلفيات تلك الأدوات التي كانت تعمل في الأجهزة الاستخباراتية وأدوات القمع للسلطات المتعاقبة , وهي اليوم تقوم بدورها في تعطيل أي ائتلاف عدني حقيقي يمثل عدن , ويدافع عن هويتها الثقافية والمدنية , ودورها المحوري في التحول السياسي , ويرمم البيت العدني .