عن "نُعمَان" الشهيد القائد.. وذكرى انتفاضة الحجرية ضد الانقلاب
تعود الذكرى الثانية لاستشهاد "عبده نعمان الزريقي" قائد مقاومة الحجرية متزامنة مع مناسبة أخرى مرتبطة بالحجرية وبالشهيد القائد هي ذكرى طرد الانقلابيين من الحجرية وحاضرتها مدينة التربة في 24 مارس 2015م، ولان ثنائية النضال و"نعمان" يصعب التفريق بينهما لم يكن بالإمكان إلا الحديث عنهما تحت عنوان واحد، وبحروف تتشارك نفس الروح النضالية، وتتقاسم ذات الطموح إلى وطنٍ حرٍ لا تمتلكه سلالة ولاتتحكم بمصيره وثرواته وامكاناته قلّةٌ لا تمتلك من الشرعية ولا من قبول الشعب مثقال ذَرة.
مع نهاية مارس 2015م كان الانقلابيون قد فرضوا سيطرتهم على عدد كبير من المدن اليمنية ولم تواجههم أي مقاومة تذكر ، فقط في تعز كان الناس قد خرجوا للاحتجاج سلمياً أمام معسكر الأمن المركزي في جولة القصر ، وكان وقتها مركزاً لتجميع التعزيزات الواردة للانقلابيين، ورغم سليمة التحرك إلا أن رصاصات الانقلابيين أوقعت شهداء وجرحى في صفوف المتظاهرين، ومع ازدياد الشهداء بدأت تتبلور فكرة المقاومة الشعبية التي شكلت لاحقاً تغييراً لميزان القوى في تعز.
في مدينة التربة حاضرة الحجرية وتزامناً مع الاحتجاجات التي كانت تخرج في جولة القصر يومياً خرج المتظاهرون يوم 24 مارس 2015م لرفض الانقلاب وإعلان الوقوف في صف الجمهورية، فاعتدت عليهم خلايا الانقلابيين الحوثيين في المدينة بالرصاص، واستشهد وأصيب أكثر من عشرة متظاهرين، فتحولت الغضبة الجماهيرية إلى تحرّك فاعل، وأحرقت الجماهير مقرات وسيارات الحوثيين في المدينة، وبدأ "نعمان" ورفاقه التحرك المنظم لطرد الانقلابيين من النقاط التي نشروها على الطرق الرئيسية، وحَمَل المقاومون أسلحتهم الشخصية لتأمين الحجرية ورد المعتدين الذين كانوا يردون على الخروج الجماهيري بأن سيّروا رتلاً عسكرياً من تعز للسيطرة على التربة، واستخدام الحجرية وطريق هيجة العبد منفذاً لمهاجمة محافظات لحج وعدن وما جاورهما ، وانطلقت الرصاصة الأولى على هذا الرتل لتمنع وصوله فعاد أدراجه بعد أن مكث أياماً في منطقة "البركاني" مشارف مديرية الشمايتين.
انطلقت المقاومة الشعبية في الحجرية وحَمَل "نعمان" الراية، واجتمع حوله رفاق مخلصون من كل قرى وعزل الزريقتين والشمايتين والمقاطرة "منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر" ولاحقاً كثفت المليشيا الانقلابية من هجماتها للسيطرة على الحجرية من أكثر من اتجاه، واستماتت في سبيل ذلك كثيراً لكن "نعمان" ورفاقه أفشلوا كل الهجمات، والتفوا مع المقاومين من كل مناطق تعز الأخرى في الضباب والمسراخ وجرداد والأحكوم ، وهذه الأخيرة كانت الأطول والأهم لانها شكلت أمل المليشيات الأخير لقطع طريق هيجة العبد، وخنق تعز بعد أن رُدت خائبة في كل الجبهات.
ومع توسع المقاومة ثم تشكّل الجيش الوطني كان الشهيد "نعمان" ورفاقه حراساً مخلصين لتعز، فأمّنوا للمدينة المحاصرة الغذاء والدواء والسلاح، وقدمت جبهات الحجرية سيلاً من خيرة رجالها شهداء وجرحى، وكان لجبهة الأحكوم النصيب الأكبر ، ولم يفت "نعمان" هذا الشرف العظيم فارتقى شهيداً مجيداً وهو يقارع الانقلابيين ، وكأنّ الله قد اختاره لهذا الختام أو اختار هذا الختام له لافرق، فهو مشروع شهيد منذ حمل سلاحه، ومن تدابير الأقدار أن محاولات اغتياله التي تكررت وتنوعت كلها باءت بالفشل ، وأعطاه الله ما يتمناه.
في أخر لقاءٍ عابرٍ جمعنا قال لي "نعمان": "أنتم تحمُونَ ظهورنا" ، فرددتُ: "وأنتم تحمُونا كلّنا" وتبادلنا ابتسامتين لم نلتقِ بعدهما، وحتى اليوم وقد مرّ عامان على رحيله المرّ لازلت أراه مبتسماً، وأتحسس بكفي موضع يده حين شدها مودعاً ، وكنت قد قلت له ذات مرة بعد فشل أحد محاولات اغتياله: "أهلاً بالشهيد الحيّ"، فهز راسه نافياً : "ما ينفع"، وكأنه يقول لي أريدها هناك في الصفوف الأمامية، فكان له ما أراد ، وحمل رفاقة الباقون الراية وقد ارتوت بدمائه الزكية ليواصلون ما بدأ به وسار عليه، وكما لم يخب ظننا فيه ما خاب ظننا فيهم كذلك منه فلازلوا حماة للوطن والجمهورية مستلهمين منه دروس التضحية والنضال التي سطرها لهم فعلاً وممارسةً في ميادين القتال والنزال بعيداً عن ميادين الاستعراض والتنظير التي لم يألفها ولم تألفه.
سلاماً على روحك الطاهرة، وسلاماً على أرواح شهداء انتفاضة الحجرية في ذكراها التاسعة، وعلى أرواح كل الشهداء في مختلف جهات الوطن.