الرغيف مقابل التخلي عن المعتقدات
استمرت جماعة الحوثي لسنوات طويلة في نهب مرتبات الموظفين على مرأى ومسمع العالم، لكن الاستمرار في هذه الجريمة إلى ما لا نهاية مسألة غير منطقية لاسيما مع استمرار الضغوط الدولية المطالبة بصرف المرتبات للموظفين في مناطق سيطرتهم. لكن السبب الذي قد يجعل الحوثيين يصرفون ولو جزء من مرتبات الموظفين، هي الثورة الشعبية التي اندلعت في إيران عقب مقتل مهسا أميني، خوفا من انتقالها إلى مناطق سيطرة الحوثيين باعتبار الجماعة الحوثية أحد أذرع النظام الخميني في شبه الجزيرة العربية.
ولاستغلال المرتبات لفرض معتقد الحوثيين ونشره في اليمن، أعلنت الجماعة ما وصفته بـ "مدونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات العمل في وحدات الخدمة" والتي تضمنت بنودا تلزم اليمنيين الذين يعملون في المؤسسات الحكومية بالتخلي عن معتقداتهم الدينية واعتناق مذهبها الديني.
استبدلت المدونة الحوثية الأسس القانونية والدستورية بمحددات طائفية ظاهرها الالتزام بالدين والقواعد الإدارية، لكنها في الأصل فرمان عنصري يفرض معتقد ومذهب الحوثيين ومرجعياتهم الفكرية على بقية اليمنيين، وبشكل قسري وجماعي، من خلال التحكم بمصادر دخلهم واحتياجاتهم الأساسية.
لقد شددت مضامين المدونة الحوثية على التزام الموظف بنظرية "الولاية" العنصرية التي يحصر الحوثيون من خلالها الحكم والجاه والمكانة في عرقيتهم دون بقية اليمنيين، فضلًا عن إلزام الموظفين بالحضور والمشاركة في كل دوراتهم الطائفية وفعالياتهم السياسية والدينية.
تعتبر المدونة الحوثية واحدة من أبرز الوسائل التي يستخدمها الحوثيون لتنفيذ "الإبادة الثقافية" في اليمن، وفرض معتقدهم الديني مقابل تجريف بقية المذاهب التي لا تعترف بنظرية "الولاية" السياسية والدينية كونها تحصر الحكم والجاه لعرقية بعينها.
بهذه المدونة يتم حصر الوظيفة العامة داخل الفئة التي تؤمن بمعتقدات الحوثيين الدينية، مقابل معاقبة كل من لا يؤمن بها من خلال حرمانه من الوظائف والأعمال، وهذا يعني التجويع والإفقار، وهو ما قد يدفع كثير من الناس لترك معتقداتهم جراء العوز والحاجة واعتناق معتقد الحوثيين الذي يحولهم إلى عبيد لدى السلالة.