الحركة السلفية وتحديات المستقبل (5)

السلفية الجديدة

بالإضافة إلى التحديات التي تواجه الحركة السلفية بشكل عام، يواجه تيار السلفية الجديدة تحديات ترتبط في الغالب بانتقاله إلى العمل السياسي وتأسيس أحزاب سياسية، ومن تلك التحديات ما يلي:

• ثنائية الحزب والجمعية

شهد التيار السلفي الجديد تحولين مهمين، تمثل الأول في الانشقاق عن السلفية التقليدية وتأسيس جمعية الحكمة اليمنية ثم جمعية الإحسان الخيرية في تسعينيات القرن الماضي، أما التحول الثاني فتجلى في المشاركة في الثورة الشعبية والعمل السياسي من خلال تأسيس أحزاب سلفية، وهنا يظهر التحدي الأبرز، ويتمثل في ضرورة الفصل الإداري والتنظيمي بين الحزب والجمعية، فلكل منهما خصائصه وسماته ومجال اشتغاله. 

كما أن مستقبل هذا التيار مرتبط بإمكانية تجاوز واقعه الراهن، وقدرته على صناعة علاقات جديدة مع الأطراف السياسية والفكرية اليمنية، وبقدر ما حقق هذا التيار من إنجاز تمثل في الانتقال من السلبية تجاه العمل السياسي إلى التفاعل الإيجابي، فإنه مطالَب بإنجاز خطاب يعكس هذا الانتقال، ويعبر عنه باعتباره نتاج تطور فكري وإدراك للواقع وتحدياته. 

• التمويل الخارجي وتداعياته

ارتبطت الحركة السلفية اليمنية بجناحيها التقليدي والجديد بالدعم والتمويل الخليجي والسعودي خاصة، لاعتبارات عدة منها العلاقة الفكرية والمنهجية بين سلفيي اليمن والداعمين الخليجيين، إذ ينتمون جميعاً للمدرسة السلفية الوهابية، وللتقارب الجغرافي بين اليمن والخليج، وجاءت الأحداث والتطورات المحلية في اليمن – وآخرها الحرب الراهنة- لتعزز العلاقة ويستمر الدعم متخذاً أشكالاً عدة، ومحكوماً بعوامل جديدة، من ذلك أن الدعم السعودي يتركز غالباً على التيار السلفي التقليدي، بينما يعتمد التيار الجديد من السلفية اليمنية على دعم جمعيات وهيئات خيرية سلفية كويتية وقطرية، وأهم عامل يتحكم في الدعم هو التوافق الفكري ومدى الالتزام بالخط المنهجي السلفي، ففيما تلتزم هيئات الدعم السعودية بالسلفية التقليدية وتدعم الأتباع الأكثر التزاما بالمنهج ذاته، تنزع نظيراتها في الكويت وقطر للتجديد ودعم التيار السلفي المتوافق معها.  

وتبعاً لذلك يظهر هذا الدعم -في الوقت الراهن كما وفي المستقبل القريب – كرافد مهم في دعم الأنشطة وتعزيز الحضور السلفي، لكنه يشكل في الوقت ذاته تحدياً رئيسياً بالنسبة للتيار السلفي الذي آثر الانتقال للعمل الحزبي والمشاركة السياسية، حيث يصبح الدعم مقيداً بما يسمح به النظام والقانون، ومقتضيات الممارسة الديمقراطية والتنافس الحزبي، علاوة على ضرورة بقاء الدعم بعيداً عن إمكانية التأثير في استقلالية القرار داخل الأطر الحزبية القيادية. وبقدر ما يحد ذلك من إمكانية الحصول على الدعم فإنه يدفع السلفيين لتعزيز الاستقلالية وانتهاج تجربة جديدة غير متأثرة بحالة الولاء والتبعية التي طبعت المسيرة السلفية خلال السنوات الماضية.

• الارتباط الفكري والهموم المحلية 

كغيرها من الأحزاب والتيارات السياسية اليمنية تعاني الأحزاب السلفية إشكالية التبعية الفكرية والالتزام الأيديولوجي، وهو ما يجعلها تعيش التحدي ذاته، ويجعلها مطالبة – مع مرور الوقت- بتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقلال الفكري، وبالتالي يتعين عليها إنتاج نظريات مستقلة تلبي حاجات الواقع المحلي وتراعي ظروفه وتواجه تحديات البيئة المحيطة، ولا تكون مجرد انعكاس لأفكار وتصورات قادمة من وراء الحدود.

ويلاحظ المراقبون أنه لم تتبلور عن الأحزاب السلفية نظرية سياسية خاصة، ولا تزال واجهات المواقع الإليكترونية للأحزاب السلفية (اتحاد الرشاد وحزب السلم والتنمية) شبه خالية من الإنتاج الفكري المحلي الذي يراعي التطور الذي حدث في مسار الحركة السلفية، وهو ما يحتم على القيادة التصدي لهذا الأمر وعدم الاكتفاء بنقل ما ينتجه الآخرون من خارج اليمن، خاصة وأن التيار السلفي الجديد يضم شخصيات قادرة على سد هذه الثغرة، وبلورة رؤى ونظريات محلية تواكب التطورات وتعبر عن الموقف منها.

ومن الأهمية بمكان أن تعكس النظرية السياسية المطلوبة رؤية الأحزاب السلفية للقضايا المطروحة على الساحة المحلية والإقليمية، ومنها الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ومكافحة الفساد والحكم الرشيد ومشاركة المرأة، والعلاقة مع الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية الأخرى وغيرها من القضايا والتحديات.

إن مشاركة السلفيين في العمل السياسي تتطلب انخراطا واعيا في العملية السياسية يعكس حجم القاعدة الشعبية لها، ويعمل على تلبية احتياجات المواطنين، استناداً إلى تجربة السلفيين في العمل الخيري والإغاثي سنوات طويلة، وكلما كانت المشاركة السياسية أكثر وعياً بمتطلبات المرحلة واحتياجات المجتمع وتحديات الواقع والمستقبل كانت أكثر فاعلية وأقدر على حشد الدعم والتأييد الشعبي، ذلك أن السلفيين يدخلون المعترك السياسي غير محملين بأعباء الصراعات السابقة وتبعاتها، كما هو وضع القوى السياسية الأخرى التي لا تخلو صفحاتها من صراعات الماضي وآثارها لما يناهز 30 عاماً على الأقل. الأمر الذي يمكن معه للأحزاب السلفية أن تستفيد إذا أجادت التعاطي مع القوى الموجودة وأحسنت تقديم نفسها للشعب اليمني.

** الجزء الخامس والأخير من دراسة للباحث نشرها مركز أبعاد للدراسات والبحوث في أغسطس 2021.

(رابط الدراسة في أول تعليق)

أهم مراجع الدراسة:

   أحمد الدغشي، السلفية في اليمن مدارسها الفكرية ومرجعياتها العقائدية وتحالفاتها السياسية، (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 2014).

   سعيد ثابت، تحولات الإسلام السياسي باليمن، من الثورة إلى الثورة المضادة، (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 2016). 

   أحمد الدغشي، الحوثيون ومستقبلهم العسكري والسياسي والتربوي، (الدوحة: منتدى العلاقات الدولية، 2013).

   مجيب الحميدي، الكيانات الموازية للدولة: أوهام الإمارات المذهبية في اليمن، تقرير نشره مركز أبعاد للدراسات والبحوث، في فبراير 2018 على الرابط: https://abaadstudies.org/news-59727.html.

   ما وراء الحرب بين الحوثيين والسلفيين؟ تقرير منشور في موقع الجزيرة نت، 31 أغسطس 2013، على الرابط: https://2u.pw/gmKqKX.

   سامي الكاف، السلفيون في جنوب اليمن: من صراع على ميكروفونات المساجد إلى مقاتلين في الجبهات، تقرير نشرته وكالة ديبريفر في 26 يونيو 2018 على الرابط: https://debriefer.net/news-1276.html.

مقالات الكاتب