الحركة السلفية وتحديات المستقبل (4)
أظهرت الحرب الراهنة الجماعات السلفية كقوة لا يمكن التقليل منها، لكن أطراف الحرب الرئيسية استطاعت اختراق تلك الجماعات، وتمكنت من إعادة إنتاجها في قوالب جديدة متوافقة مع معطيات الحرب وتطورات الأحداث ومصالح الأطراف والقوى الفاعلة.
ويمكن الوقوف على أهم التحديات التي تواجه الحركة السلفية اليمنية من خلال النظر في واقعها الراهن، والعوامل المؤثرة داخلياً وخارجياً، مع استحضار ما أفرزته الأحداث والتطورات التي شهدتها اليمن، وفي مقدمتها الثورة الشعبية والانقلاب الحوثي والحرب الراهنة، حيث بات السلفيون موزعين كما يلي:
1- أغلب السلفيين أعلنوا ولاءهم لرئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي بصفته ولي الأمر، ويشكلون قوة لا يستهان بها في قوام القوات الحكومية خاصة في جنوب اليمن.
2- جزء ارتبط بالإمارات وانخرطوا في التشكيلات المسلحة التي أسستها بعد الحرب، وصاروا جزءاً لا يتجزأ من القوى المحلية التي تتلقى التوجيهات والأوامر من حكام أبوظبي، منهم قيادات الحزام الأمني وألوية العمالقة والصاعقة التابعة للمجلس الانتقالي.
3- شيوخ سلفيين في مناطق سيطرة الحوثي أظهروا تقارباً كبيراً مع الحوثيين، ومع أن خطابهم -كجزء من الخطاب السلفي العام- كان مناهضاً للحوثيين باعتبارهم شيعة روافض يجب قتالهم، إلا أن مواقفهم تغيرت باتجاه المصالحة مع الحوثي والخضوع لسلطته، ومنهم من انخرط في القتال إلى جانب الحوثي تحت مبرر مواجهة التحالف العربي، الذي يصفه الحوثيون بـ(العدوان)، وأبرموا عدداً من الاتفاقيات مع الحوثيين، وصلت حد التوافق على مواجهة خصوم الحوثي، وأبرز السلفيين الذين يمثلون هذا الاتجاه الشيخ محمد المهدي في محافظة إب، والشيخ محمد الإمام في محافظة ذمار، ومع ذلك فإن انتهاكات الحوثيين في مناطق سيطرتهم طالت الجميع، ولم تستثن المتحالفين معهم كالسلفيين الذين غيروا خطاباتهم وتحولوا في مواقفهم من معاداة الحوثية إلى الخضوع لسلطاتها والاتفاق معها.
4- تمخض خطاب سلفي جديد استطاع الاندماج في المشهد السياسي اليمني منذ قيام الثورة الشعبية، وشارك أصحابه من خلال مكونات ثورية في الفعاليات والأنشطة، سجلت حضورهم ومشاركتهم في الثورة والحراك الجنوبي، وكذلك في الحوار الوطني والعمل السياسي بعد الثورة، ويمثل هذا الفريق حزب "اتحاد الرشاد" و"حركة النهضة"، و"حزب السلم والتنمية" و"رابطة علماء ودعاة عدن"، وموقفهم في الحرب إلى جانب الرئيس هادي والحكومة الشرعية ضد جماعة الحوثي.
وكغيرها من القوى والمكونات اليمنية، يرتبط مستقبل الجماعات السلفية اليمنية بمستقبل اليمن عامة، وما ستؤول إليه الأوضاع الناجمة عن الحرب، كما يرتبط مصير السلفيين – إلى حدٍ كبير- بما سيكون عليه وضع القوى والجهات التي ارتبطوا بها، خاصة الكيانات السلفية التي جعلت منها الحرب أدوات وظيفية لبعض القوى الداخلية والخارجية.
وعلى الرغم من ظهور قوى وتشكيلات سلفية جديدة، فإن التيارين الرئيسيين (السلفية التقليدية ممثلة بمدرسة دماج وفروعها، والسلفية الجديدة) لا يزالان يغطيان غالبية الخارطة السلفية. ويمكن استشراف مستقبل السلفية بجناحيها في ضوء واقعهما الراهن ومواقفهما من القضايا الرئيسية والتحديات التي تواجه كلاً منهما.
أولاً: السلفية التقليدية
على الرغم من أن التيار السلفي التقليدي تعرض لاهتزازات كبيرة جراء حرب الحوثيين على أنصاره ومراكزه، ومنها المركز الرئيس في دماج بصعدة، إلا أن الدعم السعودي أعاد للتيار اعتباره وعوّضه عما خسره في الجولات الأولى من الحرب، بل إن التيار نفسه بات ضمن القوى التي تتصدر المشهد.
ويشير الأمر إلى أن مستقبل السلفيين التقليديين مرهونٌ بهذا الدعم الذي يشمل إنشاء مراكز ومساجد جديدة، تمكنهم من الاحتفاظ بالمكانة التي وصلوا إليها في الوقت الراهن، وتضمن لهم التوسع مستقبلاً على حساب القوى والتيارات الأخرى، ويظهر ذلك من خلال إنشاء وتأسيس المراكز السلفية في عدد من المحافظات الجنوبية والشرقية، مثل المهرة والضالع ومأرب، كما أن تشييدها في مناطق جغرافية لم تكن ضمن خارطة الاهتمام في الفترة الماضية، يثير التساؤلات حول ما إذا كان الأمر يأتي في سياق الصراع على النفوذ، حيث ينظر مراقبون إلى هذه المراكز بوصفها مشاريع سعودية لتعزيز نفوذها، وذلك لمواجهة النفوذ العُماني في محافظة المهرة، ونفوذ حزب الإصلاح في مأرب، ووضع حد للوجود السلفي ذي الارتباط بدولة الكويت في محافظة الضالع.
والمؤكد هنا أن التيار السلفي التقليدي سيستفيد من الدعم السعودي في الوقت الراهن وفي المستقبل القريب، وهو ما يدعم حظوظه في البقاء والتوسع كلما سعت الرياض لتوسيع نفوذها ومواجهة خصومها المحليين والإقليميين باستخدام ورقة الجماعة السلفية.
**جزء من دراسة للباحث نشرها مركز أبعاد في أغسطس 2021