السلفيون في اليمن وتحديات الحرب (2)
الصراع مع الحوثيين وحرب دماج
أدى قيام الثورة الشيعية في إيران أواخر سبعينيات القرن الماضي إلى حدوث تقارب بين التيارين الشيعيين البارزين، الإمامي "الاثني عشري" في إيران والزيدي الهادوي في اليمن، ونتج عن ذلك التقارب ظهور تيار شيعي يمني متطرف يجاهر بالعداء للسنة عامة ويهاجم الصحابة، في انحراف واضح عن ما عرف به المذهب الزيدي في هذا الجانب، وتزامن ذلك مع عودة الشيخ مقبل الوادعي إلى اليمن وتأسيس الحركة السلفية (الوهابية) في محافظة صعدة أبرز معاقل الزيديين الشيعة، لتبدأ ملامح الصراع الشيعي- السني، بين علماء الزيدية والوادعي، بعدما حاول الأخير نشر أفكاره السلفية في مساجد صعدة.
ويرى بعض الباحثين أن تأسيس الشيخ مقبل الوادعي مركز دماج، كان من أهم العوامل الأساسية التي دفعت بعض علماء المذهب الزيدي لإنشاء المراكز الزيدية وما عرف بـ "مُنتديات الشباب المؤمن"، لتكون بمثابة ردّ عملي على التحدي الذي شكله قيام مركز "دماج" السلفي . غير أن الطرفين لم يدخلا في صراع مسلح حتى في فترة الحروب الست بين القوات الحكومية والحوثيين خلال الفترة (2004-2009). حيث كان السلفيون "حريصين على عدم التورط العملي في تلك الحروب، رغم حرصهم على تغليف مواقفهم في تأييد النظام بطاعة ولي الأمر وشرعية قتال من يخرج عليه".
بعد الثورة الشعبية اليمنية أخذت الحركة الحوثية تتوسع في شمال اليمن معتمدة على الدعم المقدم من إيران التي وجدت في الحوثيين حليفاً محلياً تتقاسم معه الانتماء للمذهب الشيعي، كما ويتقاسمان معا العداء للمملكة العربية السعودية وحلفائها من اليمنيين، وشن الحوثيون حرباً على السلفيين في منطقة دماج، بمحافظة صعدة، وهي المركز الرئيس لهم، استمرت عدة أشهر من العام 2013، عاش خلالها السلفيون أوضاعا صعبة، فإلى جانب عدم التكافؤ مع جماعة الحوثي من حيث العدة والعتاد والتسليح، "فرض الحوثيون حصاراً خانقاً على منطقة دماج، من جميع الجهات ومنعوا الدخول إليها والخروج منها، وقصفوها بالأسلحة الثقيلة والرشاشات ومدافع الهاون عيار 120 ملم"، بحسب بيانات صادرة عن السلفيين الذين ظلوا ينتظرون موقفاً حازماً من الحكومة اليمنية تجاه الحوثيين، وكانوا يرون أن الحل "يكمن في أن تفرض الدولة سيطرتها ونفوذها على محافظة صعدة وتنزع السلاح الثقيل من الحوثيين، وتلزمهم بالتعايش السلمي مع الآخرين" ، غير أن جهود الحكومة كانت دون ما تمنوا، وهذا ضاعف شعورهم بالخذلان من الدولة والمجتمع، باستثناء وقوف بعض القبائل معهم، أما الحوثيون فاستمروا في الحرب ومحاصرة المنطقة، تحت مبرر أن الموجودين في دماج "أدوات للمخابرات السعودية"، بحسب تصريح صحفي أدلى به لوسائل إعلامية، علي البخيتي المتحدث باسم جماعة الحوثي حينها.
وانتهت المواجهات بسيطرة الحوثيين واجتياح المنطقة بشكل كلي بداية العام 2014، وتدمير مركز دار الحديث، وتهجير السلفيين البالغ عددهم نحو 15 ألف شخص، وكان لذلك التهجير أثره على السلفيين عامة والمهجرين منهم على وجه الخصوص، إذ جاءت مواقفهم اللاحقة تبعاً لحرب دماج وما نتج عنها من تهجير قسري لهم وتدمير لمساكنهم ومساجدهم ومدارسهم. وكما أدت ممارسات الحوثيين إلى تبلور موقف متحفز للمواجهة وردة الفعل لدى غالبية السلفيين، فقد رأى سلفيون آخرون أنهم غير قادرين على المواجهة، وبالتالي فضلوا القبول بالحوثي كأمر واقع.
وفي سبتمبر/أيلول من العام نفسه سيطرت جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء واستولت على مؤسسات الدولة وأسلحة الجيش وأجهزت على العملية السياسية. وفرضت الانقلاب المسلح وباتت تسيطر على السلطة، ليتعزز انقسام التيار السلفي (التقليدي) بين فريقين أحدهما متحفز للمواجهة، ويمثله قطاع كبير من السلفيين في تعز والبيضاء والمحافظات الجنوبية، والفريق الآخر يؤثر الصمت وعدم المواجهة، ويمثله سلفيو مدرسة معبر (محافظة ذمار) بقيادة الشيخ محمد الإمام، وسلفيو محافظة إب، بالإضافة إلى السلفيين الموجودين في مناطق سيطرة الحوثيين شمال البلاد.
**جزء من دراسة للباحث نشرها مركز أبعاد للدراسات والبحوث في أغسطس 2021.