السلفيون في اليمن وتحديات الحرب (1)
النشأة والانتشار
السلفية في اليمن، وإن بدت في ظاهرها امتدادا للفكر السُّني العام، لكنها ذات أصول عقدية (مدرسية)، ترجع في جذورها إلى المدرسة الأثرية الحنبلية، نسبةً إلى الإمام أحمد بن حنبل (780-855 ميلادية)، وتبلورت في القرن الثامن عشر الميلادي على يد الشيخ/ محمد بن عبدالوهاب (1703-1792)، وانتقلت إلى اليمن عن طريق الشيخ/ مقبل بن هادي الوادعي (1937-2001) الذي رحل إلى المملكة السعودية بعدما تلقى تعليمه في مساجد صعدة (شمال اليمن)، وكان يتبع المذهب الزيدي بحكم انتماء منطقته الجغرافية للمذهب نفسه، لكنه غيــّـر قناعاته بعدما استقر في السعودية وتلقى العلوم الدينية ومنها الحديث وأصول الدين، وعاد إلى اليمن أواخر السبعينيات وأسس دار الحديث في منطقة (دماج) بمحافظة صعدة، وصارت مقصداً لطلاب العلوم الدينية من داخل اليمن وخارجها.
ويمكن تقسيم فترة نشأة السلفية اليمنية إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى (1980-1984): مرحلة الاستقطاب والإقبال على العلوم الدينية، وفي مقدمتها علم الحديث، والاستناد على عموميات الدعوة السلفية، وشهدت انتشاراً ملحوظاً، حيث أقبل شباب من مختلف مناطق اليمن على مركز دماج للدراسة والتحصيل.
المرحلة الثانية (1985-1990): مرحلة تبلور الفكر السلفي باتجاهه التقليدي، وإعلان الخصومة مع بقية التيارات الفكرية والسياسية، ومنها (الإخوان المسلمين) التي كانت تعاونت معه في البداية، وأخذ الشيخ مقبل الوادعي ينشر الكتب والأشرطة التي هاجم فيها مخالفيه، وأعلن موقفه المناوئ لكثير من القضايا، مثل تحريم الحزبية والانتخابات والديمقراطية، وعدم جواز الخروج على الحكام.
الاختلاف وظهور السلفية الحركية (المنظمة)
لم تكمل الحركة السلفية عقدها الأول (1980 - 1990)، حتى بدأ أول خلاف بين الشيخ الوادعي وعدد من تلاميذه، أسفر عنه خروجهم عن الفكر السلفي التقليدي، وظهور ما يعرف بـ(تيار السلفية المنظمة أو السلفية الحركية)، وقاموا بتأسيس (جمعية الحكمة اليمانية الخيرية)، وأبرز مؤسسيها عبدالمجيد الريمي، ومحمد بن موسى العامري، ومحمد الحداء، وعبدالله بن غالب الحميري، وعبدالعزيز الدبعي، وأحمد بن حسن المعلم، وعقيل المقطري، وعبدالقادر الشيباني، وأحمد معوضة، ومحمد المهدي ، وأدى ذلك إلى توتر العلاقة مع شيخهم الذي أخذ يحذر منهم، ويصفهم بـ "الانتهازية وسرقة الدعوة والعمل الحزبي ومتابعة الإخوان المسلمين" . وبعد عامين حدث خلاف داخلي في إطار جمعية الحكمة نفسها، تسبب في انفصال بعض مؤسسيها وانضوائهم في إطار جديد يحمل اسم (جمعية الإحسان الخيرية)، وأُعلنت نواته في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت على يد الشيخ عبدالله اليزيدي وآخرين .
ويُرجع باحثون الخلافات السلفية إلى الوضع السياسي والاجتماعي بعد الوحدة اليمنية وإعلان التعددية السياسية، إلى جانب المواقف المتباينة لأقطاب السلفية من الأحداث والتطورات المحلية والإقليمية، وما فرضته من حالة استقطاب فكري وسياسي، وفي حين لم يبدِ الشيخ الوادعي أي تفاعل يذكر مع المتغيرات الجديدة، فإن أغلب تلاميذه – على العكس من ذلك أبدوا تفاعلاً إيجابياً مع تلك المتغيرات، وهذا ما أدى إلى توسع الخلاف بين الشيخ وتلاميذه .
ومع ذلك ظل الشيخ الوادعي محتفظاً بمكانته الرمزية باعتباره شيخ الحركة السلفية عامة، والتيار السلفي التقليدي على وجه الخصوص، وبعد وفاته خلفه الشيخ/ يحيى الحجوري، في إدارة مركز (دماج) وقيادة التيار السلفي التقليدي الذي برز منه شيوخ سلفيون آخرون في بعض المحافظات، أمثال الشيخ/عبدالرحمن العدني في عدن، والشيخ محمد الإمام في مدينة معبر بمحافظة ذمار، فيما أخذ تيار السلفية الجديدة يتوسع في العاصمة صنعاء وعدن وبقية المحافظات، ويمثله أعضاء وقيادات جمعيتي (الحكمة) و(الإحسان)، كما بدا الشيخ أبو الحسن المأربي الذي يدير مركز الحديث في محافظة مأرب، أقرب لهذا التيار، وخاض سجالات عدة مع قيادات السلفية التقليدية، وشارك بعض أنصاره في تأسيس الجمعيات الخيرية السلفية.
وعندما اندلعت الثورة الشعبية اليمنية في العام 2011 ظهر الانقسام بين التيارين السلفيين بشكل أكثر وضوحاً في موقف كل منهما من الثورة، ففيما أعلن التيار التقليدي موقفاً معادياً للثورة باعتبارها خروجاً عن طاعة ولي الأمر، انحاز تيار السلفية الجديدة إلى الثورة، وظهرت التكتلات الثورية والشبابية (السلفية) في مخلف المحافظات اليمنية، ففي صنعاء تشكلت (رابطة شباب النهضة والتغيير)، التي تأسست في أبريل/نيسان 2011، وفي الفترة نفسها نشأت في عدن (حركة النهضة)، وفي تعز (حركة العدالة)، وفي الحديدة (حركة شباب النهضة والتجديد)، وفي إب (حركة الحرية والبناء)، و(ائتلاف الشباب السلمي)، غير أن هذه المكونات حلت نفسها في مارس/أذار 2012، باستثناء حركة النهضة في عدن وحركة الحرية في إب، وأعلنت تشكيل كيان سياسي جامع باسم (اتحاد الرشاد اليمني)، وفي العام 2013 أعلنت قيادات سلفية أخرى تأسيس (حزب السلم والتنمية). وفيما ينتمي أغلب منتسبي "الرشاد" و"حركة النهضة" لجمعية الإحسان، فإن أعضاء جمعية الحكمة يشكلون السواد الأعظم في حزب "السلم والتنمية".
ويرى الباحثون والمهتمون بتحولات التيار السلفي، أن الخطاب السلفي (الحركي) تغير بصورة تكاد تكون جذرية، فمن موقف معادٍ للعمل الحزبي إلى مصالحة وتطبيع، ومن موقف منغلق مع الغرب إلى منفتح معه، فضلًا عن المختلف معه في الوسط الوطني، ومن تجاهل إلى تعاطٍ إيجابي مع قضية المرأة ودورها، ومن عزوف ورفض المشاركة السياسية والتحالفات إلى قبول بها، ومن رضا وقناعة بما عند النظام الحاكم إلى مشاركة ومدافعة سياسية ، الأمر الذي يشكل تقدماً كبيراً وتحولاً مهماً في مسار السلفية اليمنية على مستوى الخطاب والممارسة العملية.
**جزء من دراسة للباحث نشرها مركز أبعاد للدراسات والبحوث في أغسطس 2021