الهاشميون السُّنَّة في اليمن

عرف شمال اليمن الهاشميين منذ قدم إلى صعدة جدّهم يحيى بن الحسين، الملقب بـ"الهادي إلى الحق"، أواخر القرن الثالث الهجري/القرن التاسع الميلادي، وهو يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي، ويتبعون (المذهب الزيدي) نسبة إلى الإمام (زيد بن علي). وبسبب التأثير الذي طال المذهب من قبل "الهادي"، وإضافة أفكاره الخاصة، أصبح المذهب يعرف بـ "الزيدي الهادوي".

أما هاشميو حضرموت المعروفون بـ "آل باعلوي" فهم حسينيون ينتمون إلى الحسين بن علي، وجدّهم الذي قدم إلى اليمن بداية القرن الرابع الهجري، هو (المهاجر) أحمد بن عيسى بن محمد، وقد انتشروا في حضرموت ومناطق مجاورة جنوب اليمن، ويتبعون أهل السنة على مذهب الإمام الشافعي في العبادات، ولهم طريقتهم الخاصة في التصوف. 

بالنسبة للهاشميين في الحديدة وسواحل تهامة (غرب اليمن) فتذكر المصادر التاريخية أن محمد بن سليمان مع ابن عم له قدما اليمن في القرن السادس الهجري، سكن الأول في وادي سهام ثم انتقل الى منطقة المراوعة، وهو جدّ بني الأهدل، واستقر الثاني في سردد وهو جدّ بني القديمي، وهم هاشميون حسينيون من نسل الحسين بن علي، كالهاشميين العلويين "آل باعلوي".

وتذكر المصادر التاريخية أن الهاشميين العلويين كانوا – كآبائهم- على جانب من التشيع، واستمروا كذلك سنوات طويلة، ويذكر المؤرخ الحضرمي الشهير صالح الحامد (العلوي)، أن المهاجر كان إمامي المذهب، وأن المذهب الشافعي طرأ على العلويين بعد فترة من الزمن. وهو ما يؤكده العلامة والمؤرخ عبدالله بن طاهر الحداد ، (وهو علوي هاشمي أيضاً)، استناداً إلى مصادرهما، وإلى أن جد المهاجر علي العريضي كان إمامي المذهب ، وإلى ذلك يذهب العلامة والمؤرخ العلوي عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف الذي "يستبعد أن يكون المهاجر شافعياً" .

في البداية شارك العلويون في الصراع ضد أتباع المذهب الإباضي الذي كان منتشراً في حضرموت، وكان جدهم المهاجر مشاركاً في مواجهة الإباضيين، واستمر الصراع سنوات عدة حتى انتهى بهزيمة الإباضيين وانحسار مذهبهم لصالح المذهب الشافعي، وهو المذهب الذي أصبح سائداً في حضرموت وغالبية المناطق اليمنية، وقد انخرط العلويون في المجتمع هناك، وتخلوا عن السلاح والصراع بعد حربهم مع المذهب الإباضي، وساهموا مع بقية أبناء حضرموت في نشر الدين الإسلامي في البلدان التي هاجروا إليها خاصة دول شرق وجنوب آسيا وأجزاء من أفريقيا.

وبين يدينا وثيقة تاريخية من القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي، تجلى فيها الموقف الفكري لهاشميي حضرموت وبقية مناطق الجنوب اليمني من نظرية الأئمة الهاشميين، وهذه الوثيقة هي رسالة موجهة من علي زين العابدين بن عبدالله بن الشيخ العيدروس، أحد أعلام الهاشميين من آل باعلوي، إلى الحسن بن القاسم بن محمد، أحد أمراء دولة الأئمة الهادويين، كان الأخير حريصاً على مراسلة العلماء من غير مذهبه الزيدي الهادوي، يدعوهم لاعتناق مذهبه ومبايعته إماماً على كل اليمن، وممن خاطبهم برسائله الشيخ العيدروس الذي رد على الحسن برسالة مطولة فندت أفكار الأئمة ونظريتهم السياسية والمذهبية، وأوضحت موقف الهاشميين السُّنة إزاء القضايا الخلافية الرئيسية:

الموقف من الإمامة وفق النظرية الهادوية.

 الموقف من الخلافة والخلفاء الراشدين وصحابة الرسول.

الموقف من دعاوي الانتساب للرسول وآل بيته.  

بالنسبة لدعوة الحسن لطاعته والإقرار بإمامته، قال زين العابدين العيدروس: "إن طاعته (الحسن) عندنا على ما تقرر في مذهبنا إنما تلزم أهل بلده، ومن يدين له بعقيدته" ، وبيّن أن دعوات الأئمة المتصارعين لا تلزم سوى أصحابها وأتباعهم وأشياع مذهبهم. 

أما الموقف من الخلفاء الراشدين وصحابة الرسول، فيذكر العيدروس أن "أشياع ولاة السواد الأعظم، وأتباع هداة الصراط الأقوم أهل السنة والجماعة الذين أوجب الله سلوك طرائقهم واتباعه يعتقدون صحة خلافة الخلفاء الأربعة"، "وأن الصحابة قد وفقوا للإصابة في جميع ما فعلوه باجتهادهم، وأجمعوا عليه بدلائلهم وإسنادهم، فهم أساطين الدين المحمدي، وهم النجوم يهتدي بهداهم كل مهتدِ. فلا نتبع غير سبيل المؤمنين من بعدما تبين لنا الهدى المستبين في تضليل الهادين من الأنصار والمهاجرين" .

وبعدما يسرد عدداً من آيات القران الكريم وأحاديث الرسول الدالة على فضل الصحابة وعدالتهم، يتساءل: ألا ترون أنكم إذا قدحتم في منصبهم العلي وقلتم بانحصار الخلافة في سيدنا علي فقد أبطلتم عدالتهم التي بني عليها الإسلام الحنيفي من أصله، ورددتم روايتهم التي توارد بها نقل كتاب الله على أئمته وأهله"، ويوجز الموقف منهم قائلاً: وجب على كل موحد لله تعالى أن يجاهدكم في الله حق جهاده، حتى تسلموا للدين بطاعته وانقياده، فلا يتجاوز أحدٌ منكم حدّه، فقد بدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء حتى تؤمنوا بالله وحده" .

وعن رابطة النسب يقرر العيدروس ضرورة اقترانها بالالتزام بكتاب الله، والاقتداء بالصحابة الأخيار، ويقول "إن من خالفهم وعاداهم حرم من إرث تلك الأنساب، وقطع ما أمر الله به أن يوصل فتقطعت به الأسباب، إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه، لا أولاده الذين غيّروا دينه وقطعوه وإن غَرّهم دينهم بما كانوا يفترون" . 

*من دراسة للباحث بعنوان "مستقبل الهاشميين في اليمن"

نشرها مركز أبعاد للدراسات والبحوث- سبتمبر 2022

مقالات الكاتب