محمد سالم باسُندوه.. بطل اليمن الكبير!

الأبطال كُثر لكنّ هذا الرجل أصدقهم وأوفاهم حتى اليوم لمبادئه منذ 60 عاماً.

أبطال اليمن الكبير كُثر لكنّ معظمهم للأسف انقلب على عقبيه وقلَبَ معه بلاداً وشعباً.

لم يُغيّر باسندوه جِلْدَهُ كما فعل كثيرون خلال عهودٍ وعقود!

بل إنّ ثمّة سياسيين يمنيين غيّروا جلودهم مراراً وتكراراً وانقلبوا من الضد إلى الضد لأسبابٍ حزبية أو مصلحية أو ماهو أسوأ عدا هذا الرجل النادر وآخرين بعدد أصابع اليد.

محمد سالم باسندوة الذي أرسل مقاتلين من عدن إلى تعز دفاعاً عن جمهورية 26 سبتمبر وزوّدهم بالأموال هو نفسه الذي تمّت تزكيته واختياره رئيساً لوزراء الجمهورية اليمنية بعد نصف قرن من الكفاح من أجل الاستقلال والجمهورية والوحدة والديمقراطية والكرامة والتقدم.

لم يتغيّر الرجل تجاه مبادئه منذ ستين عاما ولعلّ هذا ما يميّزه عن كثيرٍ من أقرانه السياسيين اليمنيين الذين لم ير معظمهم أبعد من قدميه!

السياسي اليمني الوحيد الذي لايُفرّق بين عدن وصنعاء حتى اليوم هو محمد سالم با سندوه! رجل يعتقد أن اليمن الكبير أكبر من أي حزب أو زعيم .. أكبر من أي خلافٍ أو اتفاق!

ثمّةَ موقفان سياسيان تاريخيان مُهمّان للرجل لايعرفهما كثيرٌ من السياسيين اليمنيين:

أوّلهما : اقترح باسندوه في الأمم المتحدة قُبَيل إعلان الاستقلال بأن يتضمن مشروع القرار الخاص بجنوب اليمن النص على وجوب وحدة جنوب اليمن مع شماله.

هذا موقفٌ فكريٌ سامقٌ وسابق لم يصل لذراه أي سياسي يمني!

وللأسف لم ينجح ذلك المقترح في أن يتضمنه الإعلان!

وثانيهما : طرح باسندوة على الجبهتين القومية والتحرير أثناء محادثات الوحدة الوطنية بينهما قُبَيل الاستقلال مقترحاً بعدم الإعلان عن قيام دولة في الشطر الجنوبي ، والاتصال بقيادة الشطر الشمالي ( السلال ) لعرض فكرة توحيد الشطرين وحتى لا تتعقد عملية الوحدة لاحقاً.

وللأسف ، لم تقبل قيادتا الجبهتين ذلك!

لذلك ، قلتُ وأقول أن محمد سالم باسندوة بطل اليمن الكبير نقاءً وصدقاً وحلماً ونضالاً واستمراريةً حتى اللحظة!

هذا موقفُ مفكرٍ وليس مجرد سياسي!

موقفُ مثقفٍ يرى الأبعد والأهم!

نحن إزاء رجل بدأ حياته بالنضال من أجل الاستقلال في عدن مروراً بوقائع ثورتَي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر وإعلان الاستقلال في عدن وحصار السبعين يوما على صنعاء من الإماميين.. وصولاً لإعلان وحدة شطري اليمن في 22 مايو 1990 ونهايةً باختياره رئيساً لوزراء الجمهورية اليمنية بعد انتفاضة الشباب في فبراير 2011 تزكيةً واحتراماً له وإجماعاً عليه من فرقاء السياسة اليمنيين في تلك اللحظة الفارقة من تاريخ اليمن الحديث.

جال العالم كله من عدن إلى تعز وصنعاء والقاهرة .. وإفريقيا وآسيا وأوروبا وكل ذلك من أجل الاستقلال.

اشترك في الكفاح المسلّح حين نقل الأسلحة والذخائر لتنظيم جبهة التحرير.

ولذلك تم سجنه مراراً في عدن من السلطة الاستعمارية.

لكن الخلاف الدامي كان مع الجبهة القومية!

صحيح أن لُبّ الخلاف في معظمه كان أيدلوجياً وسياسياً. لكننا اليوم وبعد اختبار معادن الأحزاب والرجال والمواقف لنصف قرن على الأقل سنكتشف أن الصراع على السلطة بين الجبهتين كان سبباً مهماً في الخلاف والاختلاف بينهما.

هذا الخلاف أدمى قلب جمال عبدالناصر!

فرغم مشاغله بحرب الاستنزاف بعد نكسة يونيو ، وانسحاب الجيش المصري من جبال الشطر الشمالي الجمهوري ومحاولات رأب الصدع بين جناحَي خلاف صنعاء( السلال والإرياني ) إذا بعبدالناصر يفاجأ بخلافٍ جديدٍ مستعر أكثر حدّةً ودموية بين الجبهة القومية وجبهة التحرير في الشطر الجنوبي من اليمن الذي أصبح على مشارف الاستقلال! .. واستقبلهما وحاول أن يصلح بينهما بلا جدوى! .. وبمؤامرة من بريطانيا! .. وتلك قصةٌ أخرى!

محمد سالم با سندوة المثقف والأديب الذي يحفظ أكثر من 5000 بيتٍ شعريٍ عربي أهداني هذا الكتاب قبل أيام ، وهو الجزء الأول من مذكراته. ربما شعرتُ بعد قراءته بضوءٍ ينسرب ليشق ظلام اللحظة وكآبة الوجوم والوجوه ليصل إلى شغاف القلب!

قليلةٌ هي الكتب التي تنقش علامةً على لوح القلب وتلافيف الروح! وهذا الكتاب واحدٌ منها.

مقالات الكاتب