إلا رحمةً...!

الفقه لغةً يعني الفهم! وكثير من الدعاة والمتدينين قد يحوجهم،في هذا الزمن، فهم أدق وأعمق وأشمل للدين الاسلامي وعظمته ومقاصده وغاياته..

وقد تعددت الفهوم في دنيا المسلمين وتاريخهم، لقضايا كثيرة، واختلفوا الى درجة الصراع المرير والتكفير والاقتتال.. 

والحقيقة ليس المسلمون بدعاً من الأمم في الاختلاف والصراع الديني المرير ، فقد اقتتلت أوروبا المسيحية طائفيا، قرونًا طوالاً، ولكن يبدو أنهم عقلوا كثيرا في النهاية! فيما نحن ما نزال نغوص في أوحال وأتون الصراع المؤلم المتخلف ، ولم نعقل بعد..!

في أوروبا، حيث سادت قسوة محاكم التفتيش وبطشها، ذات حين، ضد المسلمين، تحديدا، لا تستغرب اليوم، أن تجد مسيحياً متدينا يساعد لاجئا مسلماً وكأنه من أقرب الناس إليه، ولا يسأله أن يغير دينه أبداً.. ويحدث هذا كثيرا مع أشخاص نعرفهم، من الذين قسى عليهم بنو جلدتهم ودينهم في بلدانهم الاصلية، ومنها اليمن ..

ولا يجدر بالاسلام الا أن يكون دين الانسانية والرأفة والبر والرحمة حتى مع العصاة، والمخالفين من الديانات والمعتقدات الأخرى..

ولا يصح أن يكون قادة الديانات الأخرى وأتباع الديانات الأخرى أكثر انسانية ورشداً ورحمة وأوسع أفقاً وأنفذ بصائر، واعمق فهما لما ينبغي من حسن التعاطي والتعامل مع الآخرين من غير دينهم؛ ومع الاخرين من غير الطائفة والمذهب من ذات الدين!

وفي حين نجد أن المسلمين ما يزال يقتل بعضهم بعضا،كثيراً باسم الدين، أو تحت مظلته، في هذا الزمن، فلا غرابة أن نجد من لا يزال يرى في التنافر والجفوة والقسوة، مع بعض من بني جلدته ودينه ومع الآخرين، تديناً وتعبداً، ومن أولئك الآخرين الذين نحن وهم في جبهة واحدة في مواجهة عدو مغتصب ظلوم ومتجبر..

وما يبعث على الأمل هو أن عدد وتأثير أولئك الذين يؤثرون الخشونة والقسوة والقطيعة والكراهية، صار متضائلاً .. وصار لا يُسكَت عنهم، وقد وجدوا في عالمنا وعصرنا من يتصدى لأطروحاتهم ويصوبهم بمنطق سليم وحجج بينة وحق واضح..

و" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين".. ولعل الإحسان إلى الأحياء من أولئك والترحم على الاموات ،من أبواب البر، فما بالك بحق الضحايا المظلومين من المناضلين، الذين تجمعنا بهم قضايا واحدة واوطان واحدة،وعدو ظالم واحد، ولا تخرج تعزيتهم والترحم عليهم من مفهوم وغاية البر والصلة وحسن الجيرة وحقوق وواجبات العشرة والشراكة الوطنية، والإنسانية ووحدة الهدف والمصير.. 

في مقابل المتشددين والمتحفظين، شاهدت عالمًا دينياً شهيراً يعزي في البابا يوحنا بولس السادس، ويترحم عليه، ولعل ذلك أقرب إلى مقاصد شمول الرحمة التي هي أساس دين الاسلام وغايته..

وحصرا وقصراً "وما أرسلناك الا رحمة للعالمين " .. وهذه الاية تشكل الأفق الواسع لفهم التعامل الإنساني الرحب والرحمة مع كل بني البشر، بل مع كل الكائنات..

ومن طبع هذه الحياة أن يوجد فيها من يضيِّق واسعاً ! ويرى أنه خيرا يفعل! والله المستعان..

مقالات الكاتب