الشهيد فيصل حُميد.. حارس أسوار المدينة
شهدت مدينة مأرب أمس الأربعاء تشييع جثمان الشهيد البطل المقدم/ فيصل حُميد، مدير التخطيط في شرطة محافظة مأرب بعدما قضى نحبه وهو يذود عن الأرض الطيبة في مواجهة عصابات الكهنوت الحوثي الإجرامي.
عرفت الشهيد عن قرب في نوفمبر 2017، عندما جمعنا وإياه عمل مشترك في توثيق جرائم المليشيا الحوثية، منذ اللحظات الأولى للتعارف أصر على استضافتنا وتناول الغداء في منزله، وهناك عرفنا على بعض إخوانه وأقاربه، وكان أغلبهم إما عائدون من جبهات القتال أو يستعدون للعودة إليها.
كان فيصل رغم صغر سنه يبدو هو القائد والموجه سواء في أسرته وأقاربه أو في عمله وبين زملائه من الضباط والجنود في شرطة مأرب، وقد تحمل هو ورفاقه أبرز المهام وقاموا بالواجب خير قيام، ورغم تواضعه وتعامله مع الجميع بروح الفريق الواحد دون ادعاء أو تفاخر أو تباهي، فقد كان زملاؤه يقرون له بالقيادة لما عرف به من حنكة وما اكتسب من خبرات في مواجهة عصابات الحوثي ومؤامراتها الدنيئة وأعمالها القذرة.
شارك مع زملائه- من موقعه في إدارة التخطيط- في إحباط الكثير من مخططات المليشيا الانقلابية، وقد فعلت كل ما يخطر وما لا يخطر في رؤوس الشياطين من جرائم وانتهاكات، ومن خلفها إيران التي ظلت الداعم والمخطط والموجه في استهداف مأرب وأمنها واستقرارها، بالغزو المتواصل والصواريخ والطائرات المسيرة والقصف المستمر وخلايا النساء والعبوات الناسفة والألغام والمتفجرات وغيرها.
كان فيصل متفانيا في عمله- وهو ما عود أهله ورفاقه على ذلك، وكنا نقضي معه الساعات الطويلة، ونراه الأكثر عملا وحرصا على إنجاز ما أوكل إليه من مهام وفي أسرع وقت ممكن، مهما بدت كبيرة وشبه مستحيلة في كثير من الأوقات، وكثيرا ما أبدى حرصه على تدوين ووثيق ما ترتكب العصابات الإيرانية من جرائم بحق المدنيين، وكم كان حريصا على أن يطلع الرأي العام في الداخل والخارج على تلك الجرائم.
الشهيد فيصل كان يقوم بأكثر من عمل في وقت واحد، يشرف هنا وينفذ هناك ويخطط لما سيفعل بعدها مع رفاقه الذين يبادلونه الحب والتقدير ويشاطرونه النشاط والإخلاص في كل ما يطلب منهم، خاصة وهم يرونه يضرب أروع الأمثلة في الإخلاص والوفاء والوطنية.
طالما كان حديثه مختصراً ولكنه يقتصر على الجديد والمفيد في مجال اختصاصه (مواجهة عصابات البغي والجريمة الحوثية)، لديه علم بخفايا الخلايا التي تم القبض عليها وكثيرا ما كان هو في طليعة رجال الأمن الذين نذروا أنفسهم لهذه المهمة التي لا تقل خطورة ولا أهمية عن خوض المعارك في الجبهات ضد العصابات نفسها.
كان الشهيد حريصا على أمن مأرب، يعمل ليل نهار حتى لا يحدث ما يعكر صفو أمن المدينة التي أحبها، وظل على ذلك الحب والوفاء حتى ختم حياته بتقديم روحه في سبيل الله دفاعا عن مأرب، البلدة الطيبة والأرض التي ترفض الضيم والظلم والكهنوت.
حدثني مرة عن ما عاناه في سجون الحوثيين قرابة سنة كاملة، دون أن ينالوا من إرادته وعزيمته أو يثنوه عن موقفه الوطني الذي ترجمه بعد خروجه من المعتقل، فكان نعم الرجل وفي المكان المناسب في شرطة مأرب، يعرفه الجميع رمزا للالتزام والإخلاص وتنفيذ المهام وأداء الواجب.
عندما تعارفنا وأخبرته أني أقيم متنقلا بين عدن والضالع فوجئت به يخبرني أنه قضى سنوات من عمره في الضالع، عندما كان والده موظفاً هناك، درس في الضالع واستقر فيها وكانت سنوات تشكله الأولى ونضوجه، ولا يزال يحفظ الود للكثير من أبناء الضالع.
رحمة الله عليك يا فيصل، عرفناك وأنت تحرس أسوار المدينة، وجاءنا النعي أنك غدوت شهيداً مجيداً لتكتب خاتمة عظيمة تليق بتضحياتك، ورغم الحزن الذي يعتصر قلوبنا على رحيلك إلا أنه ما كان لمثلك أن يتخلف عن نداء الواجب، وما كان لك وأنت الحاضر (المقدم) في كل مهمة أن تتأخر.
لك المجد يا شهيدنا البطل، كنت صمام الأمان وستبقى روحك- مع أرواح جميع الشهداء الأبرار منارات لكل الأحرار وهم يكملون المهمة ويواصلون المسير، صوب الحرية والتحرير واستعادة كل شبر من عصابات الخميني وأدواتها المأجورة. والعزاء لأهلك وأقاربك وأصدقائك ورفاقك وزملائك وكل أبناء الوطن في رحيلك.