الحوثي قائد الثورة!
عندما عزيت يحيى الحوثي في مقتل أخيه حسين، الذي كان هو الآخر زميلاً في مجلس النواب، اندهشت من عدم تأثر يحيى، وهو يخبرني عن ثمانية من أسرته قُتلوا حينها، من بينهم ابنه وأخيه حسين..ويلاحظ بعد ذلك والان؛ الزغاريد والإحتفاء الذي تستقبل به الأمهات أبناءهن القتلى في الحرب! ويشرف يحيى الحوثي الآن، على طمس هوية اليمن الوطنية والإنسانية الطبيعية من خلال وزارة التربية المغتصبة في صنعاء، بهدف تكوين جيل سادي "استشهادي" يحقق أغراضهم.
أسفت على حسين الحوثي، وكل من قتلوا معه حينذاك في تلك الحرب، من الجانبين، وكنا نظن أن تلك الحرب التي اصُطلح فيما بعد على تسميتها الحرب الأولى، ستكون نهاية المطاف وضحاياها آخر الضحايا، وليس من قبيل الحروب الانتحارية السادية المزمنة والقتال الأبدي الذي لا ينتهي..
كثير من اليمنيين أدركوا منذ البداية أن مشروع الحوثي، يقوم على الزيف والخداع، وأهداف باطنية، مغلفة بدعاوى ظاهرية، مثل الدفاع عن النفس، والمظلومية، وما يشبه. لكن أحداً لم يتصور أن تتطور الأمور إلى حد الدمار والخراب الشامل الحاصل الان..
عند الحديث عن المظالم فإننا ندرك أين كانت تقع في اليمن .. وأنا ممن ينتمي إلى منطقة كانت تعرف معنى التهميش وأشكاله قبل النكبة الحوثية التي شملت اليمن كلها، وهناك مناطق أكثر مظلومية وتهميشا مثل تهامة.. ومع هذا لا نقر حمل السلاح في وجه الدولة، وهذا ما أكدت عليه في ندوة، عقدتها أحزاب اللقاء المشترك عن موضوع صعدة، في 2009، وحدثت بيني وبين محمد عبدالملك المتوكل "مناوشة" جراء ذلك، بدأها بمقال؛ بعنوان : محامي الشيطان نشره بعد يوم أو يومين من تلك الندوة، وكنت المقصود بذلك، ورددت عليه حينها.
يومذاك قال صخر الوجيه لحسن زيد، ونحن خارجين من تلك الندوة : إذا كنتم أنتم مظلومون فكيف بنا نحن ؟ فرد حسن زيد : أنتم متعودون، ما نفعل لكم!
فيما يخص الحوثي والوصول إلى الحكم بالقتال والقوة، فإن المسالة تاريخية ومذهبية دينية، تستند إلى مبدأ الخروج الذي يُعرف به المذهب الزيدي "الهادوي" في الحقيقة، منذ نشوئه وتغذيه فكرة "الاستشهاد" حتى من أجل الوصول للحكم باعتباره حق تولاه آخر ظالم! وقد تشي فكرة الاستشهاد الحقيقي في وجه الظلم الحقيقي بالبطولة، لكن التاريخ الإمامي، في اليمن، يؤكد أن الخروج والإستشهاد كان في سبيل التسلط والحكم المجرد، وهو غالباً ما يعني ظلماً وجشعاً وتجبراً جديدا مثلما نلاحظ الان، وليس من أجل إحقاق الحق والعدل، كما يزعم الخارجون منذ ألف عام. ويمكن السؤال هنا، عما الذي حققته الإمامة لليمن منذ الف عام وهي تشهر السيف طوال الوقت ضد البعيد والقريب، سوى تهميش اليمن حضارياً واضطرابها وضياعها لقرون، حتى أن نكتة كانت متداولة في خمسينات القرن الماضي؛ مؤداها أن آدم عاد إلى الدنيا فلم يعرف منها سوى اليمن، التي بقيت كما تركها دون تغيير! .. ولعل الحوثية الإمامية، خير شاهد اليوم، فهي لم تحقق سوى المزيد من الخراب والدمار، منذ أطلت بقرنها من جديد، قبل 17 عاماً وتسببت في فرقة وتناحر ومآسي وشتات يمني غير مسبوق في التاريخ المعاصر..
ويمكن السؤال أيضا؛ هل قام الحوثي بحركته أو "ثورته"من أجل العدل والمساواة، وهل يرسخها الان حيث يسيطر ويحكم، أم أنه يقاتل عما يراه ويعتقده حقاً حصرياً له في الحكم والسلطة والسيطرة، دون سواه من العالمين، وهذا ينافي أي ثورة حقيقية في التاريخ.
يفترض أن يكون لأي حركة نضالية، في القرن الواحد والعشرين، برنامجاً وأهدافاً وغايات تتعلق بحقوق البشر وحرياتهم ومساواتهم، لا تقل عن أهداف وغايات الثورات العظمى التي سبقتها؛ مثل الأمريكية 1765، والفرنسية 1789، والروسية 1917.. أما أن يأتي الحوثي، بفكرة الولاية والإصطفاء، وحصر الحكم في البطنين، في القرن الواحد والعشرين، ويسمي نفسه قائد الثورة ، فذلك ما لا تقبله الجمادات،فما بالك بالبشر في هذا العصر!
ولكن كيف جاء الحوثي، وكيف دخل صنعاء وكيف استمر ؟
الجواب ببساطة؛ نشأ الحوثي على هامش الفشل في إدارة الدولة، ولم يجد من يواجهه كما ينبغي منذ نشأ وإلى الآن لا بالفكر في البداية، ولا بقوة السلاح الذي يفرض الحوثي به نفسه .. وقد دخل الحوثي صنعاء دون مقاومة تذكر، وما كان له أن يدخلها أبداً، لولا عجايب النخبة السياسية بل بلادتها كما وصفها البعض .. والحرب التي تحدُث منذ سبع سنوات، تبدو وكأنها جاءت لتقوية الحوثي.
كثيرون أدركوا خطر الحوثي منذ البداية لكنه صار أخطر مما تصوره أي متشائم وبما يفوق الخيال، وتفاقم خطره مع الزمن، لأنه لم يتم مواجهته في الوقت وبالطريقة الصحيحة، وما يزال الأمر كما هو دون تغيير.