في السلام المفقود والشرعية
هناك ترحيب حقيقي مستمر بدعوة المملكة إلى سلام عادل وشامل في اليمن، القواعد والأسس التي تشير لها المبادرة السعودية وفي الأساس منها المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن رقم 2216، تكفي للحصول على الرضا والدعم الوطني، فوق ما تحوزه المبادرة من دعم دولي.
يرفض الحوثيون حتى اليوم القبول الصريح بالمبادرة، ويختلقون شروطًا تعجيزية في محاولة منهم لكسب الوقت، أو تحقيق انتصار عسكري في مأرب حطمه صمود بطولي أبداه المقاتلون في الجيش الوطني والقبائل الثائرة، وهي القبائل التي قاتلت الأسلاف من قبل وترفضهم كطبقة حاكمة "بأمر الله" من بعد.
يحاول المجتمع الدولي، والولايات المتحدة على وجه الخصوص إحداث اختراق في حائط الصد الحوثي، يحاورونهم، وأحيانًا يخاطبون سيدهم في طهران، على أمل يبدو بعيدًا، ذلك أن لطهران حساباتها في اليمن كما في غيرها من مناطق الصراع العربي، ونزوع لا تخطئه العين المجردة نحو الهيمنة.
في الإعلان المشترك للمبعوث الأممي إيجابيات كثيرة يمكن البناء عليها، يبدأ الإعلان المشترك بالبحث في القضايا الإنسانية وينتهي بها، وهو أمر لا يختلف على أهميته إثنان، إنه في عمومه وسيلة وغاية كل تفاوض.
لكن المأساة في اليمن هي في الواقع حاصل إنقلاب وعنف حوثي، وعقيدة مذهبية متعالية وعنصرية حد الإجرام، وهو سوء تقدير حوثي وإيراني للكيفية التي ينبغي أن تكون عليها علاقات الجوار المتكافئة، وفي جانب منه حضور باهت للمجتمع الدولي.
ينبغي العودة للعقل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإذا أردنا الوصول إلى سلام ليس فيه منتصر أو مهزوم، بل ينتصر فيه اليمن الموحد، والشعب الواحد فلابد من أن توضع في ذات الوقت الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية على طاولة الحوار، وأن نقدمها على ما سواها، وأن نبدأ من حيث انتهينا في الكويت.
هناك أمران لا يمكن للغالبية من أبناء اليمن التنازل عنهما في آي تسوية سياسية قادمة، الجمهورية التي تلغي كل تمييز ديني أو دنيوي وتحافظ على الحرية والعدالة كجوهر، والوحدة دولة اتحادية، يمكن دون عناء كبير تسوية بعض الاختلاف حول شكلها النهائي، إنهما معًا جوهر ومركز الحل العادل والشامل في اليمن.
يمنيًا، السلام يتطلب روحًا وطنية ملتزمة للمصالح العليا للشعب اليمني، وقبولًا بالآخر ينتج عنه تصالحًا، تسقط من عناوينه الإدعاء بحقوق موروثة في الحكم، وهو سلام لا يتحقق دون شرعية الحق، التي تتضمن بالضرورة شرعية الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي.
الشرعية اليوم كما كانت كل يوم حلقة مركزية دستورية في البحث عن توافق وطني، وجسر عبور قانوني وآمن، حافظ للجمهورية والوحدة لا يجوز هدمة قبل الوصول إلى سلام مرضي عنه وطنيًا، هدم الشرعية قبل التوافق خطر يفضي للتقسيم، وتقسيم يفضي إلى مخاطر أشد وأنكى.