هل تتحول الرئاسة الأمريكية إلى مؤسسة حزبية

في الحملات الانتخابية الديمقراطية ، بما فيها الرئاسية الامريكية ، هناك أحاديث برامجية ، وأخرى إعلامية استعراضية .

إذا دققنا في الاحاديث البرامجية للمرشحين سنجد أنها متقاربة ، بمختلف انتماءاتهم الحزبية ، لا يميزها إلا ما عرف عن الأحزاب من توجهات ثابتة في بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية الداخلية والضرائب وغيرها  . 

أما الاحاديث الاستعراضية فمساحة الترويج فيها أوسع ، وتصاغ بطريقة توحي بأنها ظرفية .. رأينا ذلك في أكثر من موضوع دولي بما في ذلك الموقف من القضايا الملتهبة ، والحروب ، وبيع الاسلحة ، وامتلاك السلاح النووي ، والديمقراطية في بلدان الغير ، والحريات ، وحرية التعبير ، وإقامة نظام دولي عادل ، والتمييز العنصري الذي يعاد بناؤه ، للاسف، بقواعد انتقائية . 

لا أتوقع تغييراً جوهرياً في سياسة الولايات المتحدة الخارجية إذا ما فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة ، اللهم إلا فيما يخص قضايا المناخ ، والبونسكو ، والعودة الى الاتفاقيات الدولية التي يقف الديمقراطيون وراءها والتي ألغاها أو جمدها ترمب ، أو المعارك التي تقيم على أنها ذات بعد خاص بترمب كموضوع تصعيد الصراع مع الصين ، وموقفه من الاتحاد الاوروبي .

أما فيما يخص الشرق الأوسط فإن الحزب الديمقراطي الأمريكي ، على غرار أحزاب " اليسار" في أوربا ، عندما تكون في المعارضة فانها تدمن خطابا يسارياً كالذي وصفه "لينين" بالخطاب الديماجوجي الذي يحرض ولا ينتج فعلاً على الارض ، لأنه باختصار غير واقعي ، وعندما تصل الى السلطة تتخلى عنه بسبب عدم واقعيته .  

ولتأكيد ذلك فقد أسقط "كوربن" الزعيم العمالي البريطاني من قيادة حزب العمال بالضربة القاضية لأنه ذهب بيساريته بعيداً وخارج المسموح به في حزبه . 

لذلك لا أتوقع تغيرات هامة على هذا الصعيد . سينفصل خطابه عن خطاب اليسار عند النقطة التي يتعين عليه فيها أن يتخذ قرارات تخدم المصلحة الوطنية الامريكية من موقعه في السلطة . وبالمقابل فإن القضية اليمنية لن تتأثر بهذا التغيير إلا بمقدار التأثير الذي تحدثه عناصرها الذاتية الداخلية في مسار العملية . 

في هذه البلدان يتأسس القرار من الأدنى إلى الأعلى ، حيث يبدأ من مراكز البحث المتخصصة thinktanks والتي تقوم بمهمتها على أسس علمية ومن منظور المصلحة الوطنية للبلد ، متجاوزة الاختلافات السياسية ، وهي التي تمد الهيئات بحيثيات ومعطيات القرار بل ومشروعيته . 

يعني أن القاعدة الأساسية لاتخاذ القرار غير حزبية في عمومها ، عدا تلك التي تقوم بخدمة سياسات أحزابها . 

هذا الوضع يؤسس لاستقرار السياسات في هذه البلدان دون تهور بتغييرات دورية درامية . 

ربما كان ترمب استثناءً في حالات معينة بسبب ، كما قال بعض المحللين ، أنه لم يتوقف بصراعه مع الديمقراطينن عند النقطة التي أصبح فيها رئيساً ، بل واصل خصومته معهم لدرجة أن الرئاسة في عهده اكتسبت صفة حزبية لم تعهدها من سابق ، ناهيك أن حكمه قام على شعار تخطئة ما أسماه السياسات التي أضعفت أمريكا والتي لا يحدها زمن معين ، وقد تمتد الى عهود طويلة سابقة تشمل ديمقراطيين وجمهوريين على السواء .

الأيام القادمة كفيلة بتوضيح كثير من هذه الحقائق ، وربما صار الوضع أكثر وضوحاً لو أن ترمب فاز بدورة ثانية ، فإما أن تنضج الظروف قراراته ويعيد مؤسسة الرئاسة إلى عهدها القديم كمؤسسة غير حزبية ، أو يكرس عصراً جديدا يعيد فيه الرئاسة الامريكية إلى النموذج الذي تتخبط فيه كثير من البلدان ، ومعه يتفاقم الاستقطاب الإجتماعي الذي سيفضي إلى انقسامات كبيرة في المجتمع الأمريكي .

مقالات الكاتب