سبتمبر الحزين
عاش اليمانيون قرونا عديدة تحت ظلام التخلف والجهل بعد أن سلموا أمرهم طواعية للقادمين إليهم من خارج حدود القطر اليماني فأحكموا قبضتهم عليهم باسم الحق الإلهي وأوغلوا في هذا الحق المُدَّعى وقسموا المجتمع اليمني الى طبقات هم طبقة الأشراف وغيرهم مجرد اتباع يسيرون خلف هذه الطبقة الشريفة يقدمون لها فروض الطاعة والولاء لكسب رضاها وودها والخوف من غضبها وبطشها،
وهذا لا يعني أن الناس ركنت لهذا الأمر فقد كانت الثورات ومحاولات فك الأغلال تظهر بين حين وآخر ولكنها لم يكتب لها النجاح نتيجة عوامل مختلفة رغم التضحيات الجسام التي بذلوها الثوار الأوائل في كل العصور وبالذات ابطال ثورة 1948م،
وفي السادس والعشرين من سبتمبر في العام 1962م لاح لليمانيين فجراً جديداً بعد نجاح ثورتهم والتفت الجماهير حول ثورتها وقيادتها ودافعت عنها ببسالة وقدمت التضحيات لتنتصر الثورة وليدحر المشروع الظلامي السلالي الى غير رجعة،
هكذا كانت الآمال وهكذا كانت الأحلام ولكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن،
نصف قرن من الزمان والمحاولات الحثيثة لا تنقطع من قبل أعداء الثورة والجمهورية لمحاولة إعادة عجلة التاريخ للوراء وبوسائل متعددة ومختلفة تغلغلت في صفوف الأنظمة المتعاقبة وسُهِل لها بقصدٍ او غير قصد لتحقيق مبتغاها، وكأنّ ما قاله أحد رموزهم في نهاية الستينيات من القرن الماضي وعداً قاطعاً لا مناص من تحقيقه،
(سنعيد الامامة ذات يومٍ بثوب النبي او بثياب ماركس)
وهكذا كانت امامهم الوسائل متاحة في غفلة اليمانيين واستغلوها ايما استغلال حتى قاموا بانقلابهم وفي يومٍ اختاروه بعناية يوم 21 سبتمبر2014م ذكرى بيعة آخر إمام لهم جرفته ثورة 26 سبتمبر،
حتى أنّ أحد رموز هذه السلالة عاشق اليهود صاحب العمامة الشهيرة الممتدة سلسلتها بزعمه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في تغريدة له في تويتر يوم 25/9/2014م أي بعد الانقلاب بأربعة أيام فقط، (سُئلت ماذا يجري في اليمن فقلت هذا حقهم أُنتزع منهم قبل خمسين عاماً وأعيد إليهم) بهذه التغريدة يؤكد بها نظرية الحق الإلهي المزعوم، فخيم الحزن والظلام من جديد على ربوع اليمن واستمرت آلة القتل في حصد أرواح اليمانيين.
وها هي سبتمبر تطلُ ذكراها من جديد ومازال الحزن مخيماً على أرض الايمان والحكمة ومازال اليمانيون يعيشون غربة داخلية وخارجية ومازال كثير من القادة والساسة يتلاعبون بتاريخ اليمن ومستقبلها في أسواق النخاسة ومنهم من يقدمها رخيصة بثمن بخس خدمة لأجندات وأطماعٍ خارجية أطلت علينا علانية وفرضت ما تريده مستخدمة أرخص مرتزقة في العالم ممن جعلوا من أنفسهم معاول هدمٍ لتدمير وتمزيق الوطن واضاعة مستقبله ومستقبل أجياله على مدى عقودٍ طويلةٍ قادمة. فهل وصل بنا الضعف والهوان والخسة والنذالة لنخرب بيوتنا بأيدينا خدمة للمستكبرين والطامعين، أما من وقفة جادة تعيد لسبتمبر ألقها وتنفض غبار الاحزان التي أتت عبر الانقلاب السلالي والمناطقي المدعوم من ضفتي الخليج!
هل ستتحمل القيادات مسؤوليتها الكاملة وتضع النقاط على الحروف وتتعامل بشفافية كاملة امام الشعب حتى لا تذهب تضحياته هدراً ولنحافظ على ما يمكن الحفاظ عليه حتى لا تصبح جزء من التاريخ الملطخ بالسواد.
مازلنا نعيش على الآمال والأمل مطلوب في كل الأحوال كي لا يتسلل اليأس الى القلوب ويصبح عاملاً من عوامل الهزيمة النفسية التي هي مقدمة لكل الهزائم التي تلحقها.
عاد سبتمبر وهل ستعود تلك الأبيات الجميلة ليتغنى بها اليمانيون كما سبق وتغنوا بها مع المبدع أيوب؟
دمت يا سبتمبر التحرير
يا فجر النضالِ
ثورةٌ تمضي بإيمانٍ
على دربِ المعالي
تسحق الباغي تدك الظلم
تأتي بالمحالِ.