مسؤولية النضال

خلت القرون وتعاقبت الحقب والأزمان، على أرض اليمن السعيد وهي في تصدر دائم لأعلى هرم التفوق الحضاري الشامل متعدد المجالات والعطاءات، وهو واقع مشهود لا يختلف عليه اثنان، هذا المجد الحضاري الذي بلغ شأنا عظيما ومنزلة أعلى حتم حينها على سائر الدول والشعوب والحضارات الناشئة المضي باستلهام أنموذج اليمنيين الأوائل كتجارب حضارية فريدة تهدي إلى المجد والنهوض وصناعة الإنجازات العظيمة التي مثلت ولاتزال منجزا إنسانيا ومشتركا حضاريا يقتفي أثره رواد التنمية الحضرية، ويبقى الإرث الحضاري اليمني حتى اليوم لمن سبر أغواره وغاص في ما انطوى عليه طريقا إلى العلا والسؤدد ودربا سالكا إلى سبيل الرشاد.

عرف اليمنيون الأوائل مجريات الريادة والإنجاز، فاتخذوا سبل السلام والوئام والتوافق البيني سلما لصناعة التاريخ وابتكار النماذج الفريدة في البناء والتنمية والعلوم والفنون والفكر والسياسة وجوانب شتى، ولم تشهد البلاد اليمنية في مختلف العصور ردة حضارية إلا حين حل بأرضها المتوردون عليها من شذاذ الآفاق ولصوص الحضارات وأعداء الحياة، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، والعبث والتخريب وإثارة العداوات والعنف وإذكاء الصراعات وإحلال مشاريع الإرهاب والخراب التي تقف الآن حائط صد أمام المبادرات الوطنية الرامية إلى استعادة الأمجاد وإحلال السلام.

ناضل أبناء اليمن جيلا بعد جيل، نضالا لم يتوقف ضد غلبة الرسيين والطبريين والأبناء الذين عمدوا إلى طمس الهوية الوطنية والعبث بإرثها الحضاري وموروثها الثقافي، وإلى تجيير مقدرات البلاد ومواردها ومقاليد حكمها لصالحهم، في سلوك انتهازي غير مسبوق تدثر الدين لباسا لتمرير مشاريعهم الطامعة ونزواتهم الآثمة الجانحة إلى إطالة أمد الاستعمار واستمرار النفوذ والغلبة، وما معركتنا اليوم ضد مليشيا الحوثي المتمردة المدعومة من إيران إلا امتداد لهذه النضالات التي أثبتت وبما لا يدع مجالا للشك بأن هذه البلاد الطيبة لا تقبل الخبث، ولا تساوم على سيادة البلاد وكرامة أهلها وإن طال الزمن وبلغت قوة المستعمر ذروتها، غير أن ما يختلف في هذه المعركة دون سابقاتها هو أنها معركة الخلاص الأبدي من هذه الشرذمة الطارئة، وبها سيتوج نضالات اليمنيين بنصر شامل ومؤزر يلبي التطلعات ويصنع مستقبل البلاد الذي يجب أن يكون.

يتأهب اليوم أبطال القوات المسلحة في مختلف ميادين البطولة والكرامة، لتعقب فلول المليشيا المتمردة في ما تبقى من مناطق سيطرتها، عاقدين العزم على استعادة يمن الأمجاد والتاريخ والعطاء والسلام، يمن يعلي قيم الجمهورية والشورى لا الظلم والاستبداد، التوزيع العادل للثروة والسلطة لا الطبقية والمصالح الضيقة، المواطنة المتساوية لا التمييز والعبودية، البناء والتنمية والعمل التشاركي لا الإرهاب والحروب والعنف، وفي سبيل تحقيق هذه الغايات الوطنية العليا فإن واجب النضال مسؤولية تقع على عاتق الجميع.

مقالات الكاتب