منازل اليمنيين.. وسيلة حوثية لتهجير وتركيع الأحرار
يكفي أن تكتب في محرك بحث جوجل عن هذه العبارات: "الحوثيون يقتحمون منزلًا"، أو "الحوثيون يفجرون منزلًا"، ستظهر لك مئات النتائج، وهي عبارة عن روابط لأخبار تتحدّث عن عدد لا يحصى من جرائم اقتحام وتفجير منازل شخصيات يملكها سياسيون وعسكريون ومثقفون وقبليون يمنيون منذ بدأ التمرّد الحوثي في صعدة.
في 12يوليو 2020م، نشرت الصحف والمواقع اليمنية خبرين تضمنا هذا النوع من الانتهاك الذي يتميز به الحوثيون دون غيرهم، الأول عن اقتحام الميليشيات منزل رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الإصلاح النائب عبدالرزاق الهجري، في العاصمة صنعاء، والثاني تحدث عن قيام الميليشيا بهدم وإحراق منزل المواطن "محفوظ ناجي الجعفري"، الكائن بعزلة بيت الجريدي بمديرية الحيمة الخارجية التابعة لصنعاء.
هذا النوع من الانتهاك الذي تمارسه ميليشيا الحوثي ليس اعتباطيًا، لكنه أسلوب ممنهج، وله تأصيله التاريخي لتحقيق عدد من الأهداف السياسية والعسكرية والعرقية أيضًا. وعبر هذه المقالة سأوضح بعضها بشكل مختصر.
بحسب القانون الدولي، يكون التهجير القسري إما مباشرًا عن طريق ترحيل السكان من مناطق سكنهم بالقوة، وإما غير مباشر، عن طريق دفع الناس إلى الرحيل والهجرة، باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد، وهذا ما تقوم به الميليشيا الحوثية كلّما سيطرت على منطقة في اليمن، حيث تشرع بتفجير منازل المخالفين لها في الرأي والمعتقد الديني والسياسي، ومنازل من لا ينتسبون إلى سلالتها.
كانت البداية في 19 يوليو 2008 عندما قامت الميليشيات الحوثية بتفجير منزل المواطن عبدالله الحطّاب بمديرية سحار محافظة صعدة معقل الحوثيين، تلتها عمليات تفجير منازل عشرات المخالفين لها في المحافظة ذاتها، قبل أن تنتقل الميليشيا إلى محافظات أخرى لتمارس نفس العملية في كلّ منطقة تصل إليها بما فيها المحافظات الجنوبية والوسطى.
لا تكتفي ميليشيا الحوثي بالاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، بل تعمل على إحداث تغيير بنيوي في المجتمع، وتجريف فكري من خلال فرض معتقداتها، وتهجير أو اغتيال كلِّ من لا يقبل هذا التغيير الفكري القسري، وهو ما يعني "تطهير عرقي/طائفي"، لاسيما وميليشيا الحوثي تعمل على توطين وتوزيع أملاك أحرار اليمن على أفراد سلالتها باستخدام القوة كأمر واقع في هذه المناطق، وهي بذلك تتخذ قرار عدم عودة أُسر من تمَّ اغتيالهم أو تهجيرهم.
تعرف ميليشيا الحوثي أن "السكن" أو "المنزل" هو واحد من أهم الإنجازات في حياة الأسرة اليمنية، فهو خلاصة عمل ربّ الأسرة طوال حياته وثروته ومستقبل أولاده، وعند قيامها بتفجيره أو مصادرته فهذا يعني أن الضحية وكلَّ أفراد أسرته قد خسروا كلَّ شيء، وهو إشعار لبقية السكان أن هذا مصير كلّ من لا يتقبل الواقع العنصري والميليشاوي الجديد.
وأمام رفض غالبية الشخصيات السياسية والمجتمعية للانقلاب الحوثي، ومغادرة عدد كبير منها مناطق سيطرة الانقلاب، لجأت الميليشيا إلى وسيلة ابتزاز هذه الشخصيات الوطنية الجمهورية من خلال تهديدها بمصادرة منازلها وعقاراتها، وقد نجحت هذه الوسيلة إلى حدٍّ كبير في إسكات كثير من الشخصيات السياسية والعسكرية والقبلية والمثقّفة خوفاً على منازلهم في ظلِّ الحديث عن عدم إمكانية حسم المعركة عسكريًّا.
الحوثيون لهم وسائلهم التي من خلالها يمكنهم معرفة دور كلِّ سياسي في الشرعية، وعندما تصل لهم معلومات أن السياسي الفلاني أو المسؤول العلاني يعمل بصدق، ويقوم بدوره كما يجب ضمن جهود استعادة الدولة، وأن وجوده في منظومة الشرعية والمشهد السياسي بشكلٍ عام يسهم في تعقيد الوضع عليهم؛ يقومون بعملية اقتحام منزل هذا الشخص أو حصاره لابتزازه وتركيعه، وإرسال رسالة مفادها: اهدأ واحصل على مرتبك من الشرعية، لكن لا تجتهد في مواجهتنا وإلا سنصادر منزلك ولن تعود إليه مجددًا. حتى إنها استخدمت هذه الوسيلة لإرهاب وتركيع عدد من أعضاء فريق الحكومة في المشاورات التي تتم بإشراف أممي مع الحوثيين.
ومن الناحية القانونية، كان اليمن قد صادق على عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أبرزت حماية خاصة للأعيان المدنية، وعَدّت حقّ السكن والعيش الآمن والانتفاع بالمرافق العامة من الحقوق المكفولة للإنسان، وأن الاعتداء عليهــا يُعدُّ خرقاً لتلك المواثيق، خصوصًا الحق في السكن والمأوى. وهذا يعني أن ما يمارسه الحوثيون انتهاك لهذه المواثيق والاتفاقيات، وسيأتي اليوم الذي ينالون فيه عقابهم بسبب هذه الممارسات الإجرامية.
في الأخير؛ أحيي كلَّ يمنيٍّ حرٍّ جعل جمهوريته وقضيته على رأس أولوياته، وقدَّم التضحيات من أجل مبادئه الوطنية والإنسانية، ورفض الركوع أمام ابتزاز هذه الميليشيا السلالية العنصرية.
حفظكم الله يا أبطال وأحرار هذا الوطن.
*نقلا عن مجلة المنبر اليمني