السرعة أولاً..!!
يميل الناس إلى السرعة في كل شيء,وتجد حياتنا تتحول إلى مضمار سباق للوصول أولاً,من الركوب متعلقاً على باب وسيلة نقل داخلي(حافلة صغيرة),أو محاولة الخروج عقب إنهاء الإمام للصلاة في المسجد.
لا وقت لدينا للانتظار أو الراحة,كأنما شعار"السرعة أولاً"مكتوب أمام أعيننا,لا مجال للاستفسار ولا البحث عمّن يكون الفاعل في قضيةٍ ما قد كيلت الاتهامات لهذه الجهة أو تلك كالسيل وأعقبها صدور أحكام قطعية غير قابلة للاستئناف.
المشكلة أنك لا تجد هذا السباق نحو العمل والالتزام بالمواعيد والانتظام حتى في طوابير الانتظار أمام مخبز أو بقالة لشراء قنينة مياة تروي بها عطشك.
كم شاهدت باليوم هذا المنظر:أشخاص يفضلون الركوب واقفين على باب باص؟وكم رأيت منظراً لحال آناس يصطدمون بآخرين أثناء لقائهما بالصدفة في رصيف شارع؟
لو سألت أحد هؤلاء الذين اختاروا الركوب بهذه الطريقة لِما لم تنتظر باصاً آخر وتركب كي توفر لنفسك مشقة التعب,لرد عليك بالقول إنه في عجلة من أمره وليس مهماً كيف يركب بقدر اهتمامه الوصول سريعاً,يحدّثك كأنه في مفرق طريق فرعي ترابي إلى قرية نائية في أعلى الجبل وهو مضطر للركوب متعلقاً في سيارة (شاص)موديل 83 في أحسن الأحوال.
وأنت تقول لشخصٍ صدمك للتو أثناء مروره مسرعاً:مالك يا عزي هدئ أعصابك,لن تجده يقول عفواً أو يسبقك مبادراً بالاعتذار وإن فعل فبكلمة يلقيها في وجهك وهو طائر نحو وجهته.
ثقافة السرعة – إن جاز التعبير – ثقافة يمنية بامتياز ولها حضورٌ طاغي في النقاشات واللقاءات والمناسبات وكل مظاهر حياتنا,واللافت أن السرعة تكون في ما لا ينفع أو بتعبير أدق ما ليس مهماً إلى تلك الدرجة التي تجعلك سائراً في الطريق وأنت فاقدٌ عقلك أي شارد الذهن أو غارقٌ في تفكيرٍ عميق ولا تعرف أنك وصلت إلا بصوت منبّه سيارة أو رنة هاتفك ممن ينتظرك.
خذ مثلاً مدى التزام مدعوين لحضور ندوة أو مؤتمر أياً كان هؤلاء من طبقة المثقفين أو المسئولين أو الناس العاديين بالموعد المحدد,لن تجد التزاماً إلا القليل منهم وإذا ما تساءلت عن حب السرعة عند اليمني فسوف تهتدي لإجابة أن هذا ليس مكانها.
لماذا لا تكون السرعة حاضرة في الانتظام في العمل والإنتاج والتعلم؟لماذا نجد سرعتنا نحو سوق القات وقت الظهر أكبر من سرعتنا صباحاً وقت الدوام؟لماذا لا نلبي دعوات المناسبات الاجتماعية إلا متأخرين بينما تجدنا نصل باكرين إلى مكان قادتنا إليه إشاعة كاذبة أحياناً.
نريد أن نكون أكثر سرعة في تلبية نداء مظلوم بالتضامن والاعتصام لأجله وأن نكون أكثر سباقاً نحو التنافس على تحسين أحوالنا بشكل عام,أن نكون مبادرين تجاه كل ما هو ايجابي وجدير بالسرعة لا أن ننجر نحو الأشياء غير المهمة ونجعلها في قائمة أولوياتنا ونعكس بوصلة حياتنا.
تدعو إنسان لحضور وقفة احتجاجية قد تنصر مظلومين يقول لك يا أخي ليست مهمة,ولمّا تسأله ما هو تعريف المهم في قاموسه يتلعثم ولا يهتدي لجواب.
ثمة مفاهيم مغلوطة سائدة في أوساط المجتمع وهي نتاج ثقافة قديمة وتراكم وممارسات رسخت قواعدها وأصبحت كأنها من أصول فن التعامل في الحياة اليومية.
هل من سرعة نحو بناء اليمن؟