ما وراء استماتة الحوثي للحصول على العملة؟

يدرك الحوثيون جيدا أهمية خطوات الحكومة في المجال الاقتصادي منذ قامت الأخيرة بإلغاء ما سميت بالهدنة الاقتصادية - هدنة بحاح - وقررت التخلص تدريجيا من هيمنة الحوثي على موارد البلاد، وتعديل الصورة المشوهة لأحد أهم مقومات السيادة الوطنية ممثلة ببنك البنوك، وتحديدا في الثامن عشر من سبتمبر ٢٠١٦، .

طباعة عملة جديدة بشكل ومواصفات مختلفة، سبقتها خطوات جرئية أولها قرار الرئيس بنقل مهام البنك المركزي إلى فرعه بالعاصمة عدن، وتغيير مجلس إدارته، ونقل عدد من الصناديق والمؤسسات المالية والخدمية والسيادة.. قرارات جاءت متصلة ومتناسقة في اتجاه الحصار الاقتصادي وتجفيف موارد المليشيات الحوثية التي لم توفر جهدا بالمقابل في حصار الحكومة في المجال ذاته.

وأيا يكن فقد رافق تلك القرارات الحكومية المتعلقة بالجانب الاقتصادي، أداء بطيء وضعيف، وفشل ظاهر في إدارة العديد من الملفات، بل وبروز ظواهر فساد وصلت حد التلاسن بين كبار رجال هذا الميدان والمسؤولين الرسميين عن ملفاته.. لكن ذلك لم يمنع الحكومة من توسيع تطاق بعض ما ضيقته المليشيات والحرب والخذلان وإغلاق حساباتها المالية في الخارج.

كان بن دغر إبان حكومته يفاخر بواردات منفذ الوديعة من البصل والبسباس! وواردات غاز مأرب وبترول المسيلة وميناء عدن من باب المزايدة أحيانا في وجه الحصار!!! حدا وصل معه الأمر إلى إعلان حكومته في ٢٠١٨ موازنة تحدٍَ تواجه بها تهم التشهير "بالفساد المالي!!" كقيد يمكن إضافته إلى مصفوفة الحصار الشهير للشرعية.. مع كل ذلك ظلت السلطات المحلية في المحافظات المحررة تبذل جهودا كبيرة لتحسين مواردها رغم الوضع المليشاوي شمالا وجنوبا وشرقا، الذي كان يخنق أهم مقدراتها الاقتصادية.

الحوثيون اليوم يسابقون المستقبل بخوف وارتباك، إزاء صمود الحكومة الذي أسندته المملكة الشقيقة في لحظة مهمة بوديعة المليارين ومنحة المشتقات النفطية، قبل أن يزداد الوضع سوءا بانقلاب عدن في النصف الثاني من العام الجاري.. رغم الشلل الذي تعاني منه مصارف الحكومة المركزية، وتوقف تدفق مواردها إلى عدن - رغم كل ذلك - لم يتوقف خوف الحوثيين وخشيتهم من خطوات الحكومة لسحب البساط من تحت أقدامهم.

يعبث الحوثيون مرة بعد أخرى بالقطاع المصرفي على أهميته وخطورة المساس به، ويجعلون منه مصدر نهب كبير مستخدمين طرقا "رسمية"، شأنهم في ذلك شأن كل قراراتهم المنفلتة لشرعنة وتبييض الأسواق السوداء، مشتقات، غاز منزلي، عملات، وتحويل صنعاء إلى سوق مفتوحة للحشيش والمخدرات!! ومن يلاحظ كمية الشحنات المضبوطة بيد الأمن في مأرب والجوف وحضرموت والمهرة، يمكنه قياس هول وفداحة وكمية ما يصل من شحنات هذه التجارة المحرمة دوليا إلى العاصمة المحتلة صنعاء.!!. وبالتالي يمكن إدراك مغزى الحوثي من هذه الخطوة اليائسة واستماتته في الحصول على النقد الجديد!!.

مصادرة العملات الجديدة التي طبعتها الحكومة في ٢٠١٧ لحل معضلة السيولة حينها، ياتي تتويجا لخطة حوثية تهدف إلى نهب مدخرات اليمنيين في مناطق سيطرتها، حيث أن قرار فرع مركزي صنعاء المتمرد على الحكومة نص على المصادرة وليس الإلغاء!! وهو ما يعني سحب الأموال إلى تحت أيديهم لاستخدامها مستقبلا، أو حاليا، بالمضاربة في مناطق الشرعية أو حتى التعامل بها هناك رسميا، مما قد يؤدي إلى تكدسها في مناطق الشرعية وهبوط سعرها أمام العملات الأخرى.

لم يكن هذا القرار هو الأول بالنسبة للحوثيين، كما أن الاستمارة التي وزعت عبر وسائل الإعلام ليست أولى محاولات الحوثيين لمصادرة الأموال، فقد سبقت مداهمة محلات الصرافة مرات عديدة ومصادر أموال صرافين ومحلات تجارية أخرى، وقتل العديد ممن وجدت عندهم هذه العملات في صنعاء وذمار وغيرها. ولعل حلم "النقد الإلكتروني" قد راود الحوثيين مرارا من قبل وفشلوا في تطبيقه، مرة باسم الريال الإلكتروني، ومرة باسم البطاقة السلعية التموينية. وصولا إلى محاولة شفط السيولة عبر تأسيس شركة استثمارات برأسمال مائة مليار يمني!! قبل أن تفشل في الضغط على مجلس النواب المحتل للموافقة عليها.

ويبقى السؤال الأهم: هل هناك مخبول واحد سيذهب بإرادته إلى الحوثيين ليضع أمواله بين أيديهم، مقابل استمارة لعينة وأرقام وهمية في عقله!! من الخطأ تصور حدوث ذلك من أصحاب الأموال، خاصة وهم ثعابين السوق وحذاق المال، حتى لو منعتهم المليشيات من تحويل ما لديهم من عملات جديدة إلى مناطق سيطرة الشرعية، حتى لو تم إجبارهم على ذلك.. يمكننا الحكم بفشل هذه الخطوة من خلال نسبة العنف ومستوى استخدام القوة الذي سيرافق تطبيقها.
*نقلا عن ٢٦ سبتمبر

مقالات الكاتب