علي صالح عباد مقبل.. آن للمحارب الصلب أن يستريح
على مدى الخمسين عاما الماضية (1969 حتى 2019), ظل علي صالح عباد، حاضرا في المشهد السياسي اليمني، قبل الوحدة وبعدها، قبل الحروب وبعدها، عند اندلاع الأزمات وبعد انتهائها، يحتفظ بالحضور ذاته وباليقين الذي مفاده أن الرصاص لا يصنع المجد ولا القتل يبني الوطن.
بيد أن ظهوره الأقوى كان في أعقاب حرب صيف ١٩٩٤، حينما جمع شتات حزبه الاشتراكي وقاد سفينته في خضم الأمواج العاتية عندما اثر كثيرون الدعة والراحة وممارسة التنظير من أبراج معزولة عن الوطن والناس المعاناة.
كان من حسن طالع الاشتراكيين اليمنيين وجود علي صالح عباد مقبل، في قيادة حزبهم، بالإرادة القوية التي لا تقبل الهزيمة والوعي السياسي الذي يرى في الحرب دمارا وخرابا يصعب احتواؤه بدون تسوية تتوازى مع التحديات وتجاوز الضغائن والاحقاد، لذلك يعد الراحل مقبل من قادة العمل السياسي الوطني الذين أدوا دورهم بكفاءة واقتدار، حتى تجاوزوا تحديات المرحلة العصيبة.
رحم الله الفقيد علي صالح عباد الذي ثبت على فكرة النضال السلمي في تأسيس المشروع الوطني دون أن تضعفه الإغراءات أو يرهبه التهديد والوعيد، وظل مقبل (ابن الوطن) في كل ظروفه وأحواله، لم يغير موقفه ولم يتنكر لحزبه وتاريخه، ولم يغير هويته كما غير اخرون هوياتهم وولاءاتهم بحسب رغبة الممولين ووفق إملاءات الدافعين.
في حضرة الفقيد القائد مقبل، أيقونة الصمود والإرادة، تفقد قيادات الصدفة بريقها وحضورها، لأنها وبالمقارنة مع مقبل، تبدو باهتة بلا لون، وخفيفة بدون وزن أو قيمة أو ذاكرة.
زعماء حين غادروا مربع السلطة والنفوذ أنكروا أسماءهم ولعنوا تاريخهم وأخذوا يطلقون النار على أقدامهم، بينما مقبل كان هناك في وجه العاصفة وفي وسط الأعاصير وفي قلب الحدث، ينتصر للديمقراطية حين ينطلق الرصاص، وللقانون عندما يطلق الحاكم كلاب الفوضى لتنفذ قانون الغاب.
كان مقبل قبل.. وصار مقبل بعد، متمسكا بمشروع الوطن وحلمه، باستعادة الوعي والدولة والوطن.
رحم الله مقبل والعزاء لكل أهله ومحبيه ورفاقه وأبناء وطنه الذين بقي معهم وبينهم، يناضل مثلهم ومثلهم يعاني حتى وافاه الأجل وفارق الحياة ليأخذ استراحة محارب استثنائي آن له أن يستريح.