اليمن.. «لمو هكَّه»؟!

قذف انقلاب الحوثي على الشرعية بهذا البلد إلى زوايا قصيّة في نهاية العالم للبحث عن حل للمشكلة اليمنية، فهذا يقبلهُ وهذا يردّه.. لأن في ثقافة العالم والمنطق أيضاً أن الحل لن يكون ناجعاً ما لم يكن يمنيا.. وإنما هيئة الأُمم تدعم وتبارك!

إن هذه الوفود التي ذهبت إلى أوروبا من أجل المشاورات ولم تتفق بعد.. رُدّت بأدبٍ دبلوماسي جم إلاّ من جبر للخواطر كما حصل في ستوكهولم!

فهل فهم أهل اليمن رسالة العالم إليهم.. وضريبة البند السابع؟!

لقد كان الأحرى بطرفي النزاع إبداء حُسن النية لفضِّ الخصومة بينهما وقد بادرت الشرعية إلى ذلك كما يبدو وتخلّف الحوثي..

ولو أنهم كفّوا عن أدلجة الصراع على الأقل لأن كلا الاثنين أكلا “الملوج والسلته” في مناسبات صنعانية كثيرة وربما في حضور رقصة “البَرَع”.. بدلاً من اشغال العالم عن قضاياه الرئيسة لكان خيراً لهم وأحسن!!

هذا البلد الذي كان “سعيداً” صار يُجْمَع له التبرعات كشخص مُهمَل جاء يتسوّل من جور “الشقاء” الذي ألمَّ به!

في دولة الجنوب العزيز.. خلال أكثر من ربع قرن لم نسمع أن “اليمن الديمقراطي” مثلاً دعا لمؤتمر من أجل جمع التبرعات لشعبه، ولا سمعنا عن منظمة إنسانية دعت لخطة طوارئ لإغاثة شعب الجنوب.

لقد كان لديهم الطعام الذي يكفيهم حتى في مراحل الأزمات والصراعات لأنهم يملكون دولةً تعدل وحاكم يحرص على قوت شعبه قبل أن يحرص على قوت عسكره وحجّابه!

إننا نشهد اليوم وبكل أسف “اليمن المتسوِّل”.. في انتظار من يتبرع له رغم الثروة التي بين يديه.. خصوبة في الأرض وموانئ إستراتيجية ونفطٍ وغاز وسواحل عِراض وسياحة زاخرة ورغم هذا ما شبع المواطن من خبز الدقيق!

بينما من مردود شجرة القطن في أبين وملح أحواض خور مكسر وسمك “القلعة” في كريتر استطاعت دولة الجنوب أن تقدِّم لشعبها سِلعاً غذائية عالية الجودة.. ضع خطّاً أحمر تحت “عالية الجودة”!

كانت هذه السلع تصل إلى أشقائنا في بلاد الحُجرية فيبتهجون بها، ويزغردون لوصولها إلى قراهم!

كما أننا شربنا من الحليب المجفّف الممتاز حتى ارتوينا.. وشربوا معنا!

وقد علمنا أن أهالي “حيفان” منذ زمن الإنجليز في عدن ولعوا بالسفر إلى المدينة لما يجدوا في أنفسهم من الوجْد إلى مكانٍ يرون فيه “كف الندى”.. لأن عدن تصل ولا تقطع.. تعطي ولا تمنع!

حتى غنّى أيوب طارش الذي بدأ مشواره الفني بالترنّم لعبد الوهاب من فوق سطح منزل بمدينة كريتر باكورة أغانيه “يوم السفَر أصبحت أوادع أهلي....” التي صوّرت مشهد المسافر وهو ينزل من الجبل لملاقاة السيّارة التي تنتظره في سفح الوادي في الطريق إلى عدن.. بينما الحبيب المُفارق يؤشِّر بيده من سقف داره برأس الجبل مودِّعا!

يا سادة ..اليمن “لمو هكّه”؟!

من أمر ناقة الشرعية أن تبرُك في الحديدة.. وعاد المراحل طوال.. و “العمالقة” حاضرون؟!

أليس عبد ربه هادي هو الحادي أم أن زمام الناقة بيد عريض المنكبين مارتن.. الديبلوماسي الذي صرع الشرعية على شاطئ الصليف ورأس عيسى؟!

من “شعتل” بهذا البلد “المشعتل” أصلاً حتى سمّى الحوثي شعبهُ بـ “الزنابيل”!

وتجرأت عليه الديبلوماسية الدولية بالجفاء إلاّ من ما يسمونه بـ “الحالة الإنسانية الطارئة”!

تصوروا.. في أكثر الصراعات إيلاماً في الجنوب.. لم يسمح 13 يناير للدولة أن تنهار ولا لمؤسساتها أن تضيع.. نعم احترب الأخوة وهم رؤوس النظام وأسياده لكن بقيت الدولة مهابة والمؤسسات مُصانة والنظام سيد الموقف!

لم يصب الشعب بالفاقة ولا تضوّر جوعاً ولا استغاثت عاصمة الدولة الفتيّة بالمنظمات الدولية وما تشرّد الناس ولا نزحوا.. وأبت عزة الجنوبي أن تجعل من أرضه مكاناً لطوابير الإغاثة وانتظار المعونات التي أهانت اليوم للأسف كرامة كثيراً من الشرفاء في شعبنا اليمني الكريم.

أيّها اليمنيون أما وأنكم لم ترضوا بحل مشكلة بلدكم من الداخل.. فدونكمُ الآن “خَرْط القتاد”.. واسمعوا لمارتن جريفيثس وأطيعوا فإن لم تفعلوا  فالعصاء.....!!

إن الناس بمختلف ميولهم وأهوائهم في ذهول من أمر هذه “المأساة” التي أحاطت باليمنيين.. من المتسبب فيها هل هو الحوثي أم الشرعية أم نظام عفاش أم الثورة أم الإمامة؟ أم كلهم شركاء في هذا الشقاء الذي لحق بالوطن؟

لكن كل هؤلاء نالهم نصيبهم من زلزال 21 سبتمبر بما فيهم الحوثي.. وماتزال الأرض حتى اللحظة تهتز تحت أقدامهم.. بينما أمسك “الجنوب” بأرضه وانتصر لها ومنحها الخلاص من الغازي وأعوانه في ملحمة قلّما يشهدها تاريخ أُمّة!

ثَبُتَ الجنوب فسكنت الأرض من تحته لأن الشباب الذي ثاروا في وجه الغزو الحوثي العفاشي تشرّبوا بثقافة الدولة التي تحفظ الأرض والنفس وتصون المال والعرض.. لكن اليمن “لمو هكّه”؟!

*نقلا عن صحيفة الأيام

مقالات الكاتب