الجنوب والضغوطات الخارجية
تناولت عدد من وسائل الإعلام خلال اليومين الماضين معلومات صحفية عن وجود ضغوطات على قيادات الحراك الجنوبي السلمي لدفعهم للقبول بمخرجات الحوار الوطني أو أي حلول قادمة للقضية الجنوبية باعتبار أن هذه الحلول ستكون مدعومة إقليميا ودوليا وإذا ما تم التسليم بوجود مثل هذه الضغوطات فإن السؤال سيكون:هل سيخضع لها قيادات الحراك أم سيرفضونها وسيتمسكون بالشارع؟
الثابت أن قيادات الحراك التي تستمد حضورها ووجودها في المشهد السياسي من قوة الشارع الجنوبي لن تتجاوز الشارع ولن تذهب للقبول بأية حلول أو النزول عند أية ضغوطات وهي تعلم أن الشارع الجنوبي سوف يرفضها ولن يقبل بها لذا فهي سوف تتحاشى مثل هذه الضغوط وستظهر رفضا مطلقا لها وستعلن عن استمرارها في مطالبها حتى لا تخسر الشارع وإن أدى ذلك إلى خسارة الدعم الدولي للقضية الجنوبية مؤقتاً ففي المحصلة النهائية هي تدرك أن قوة الشارع وصموده هو الذي سيغير المواقف والمعادلات الدولية مستقبلاً تجاه الجنوب وقضيته.
تراهن قيادات الحراك إذن على الشارع المحتقن-كما يبدو لأي متابع ومراقب-والشارع وهو على هذا الحال لا يمكن أن يقبل بأنصاف الحلول أو بأية مخرجات لحوار لا يلبي تطلعاته في الحرية...لكن هناك من يقول أن خيار الفيدرالية من إقليمين (شمال وجنوب) إذ ما نجح لربما يساهم في إحداث انفراجه في الشارع الجنوبي على أن تبقى الضمانات الحقيقية بالحفاظ على اليمن موحدا هو بنجاح القوى السياسية في بناء الدولة الاتحادية بناءً حقيقيا كدولة مواطنة ومدنية.. ما لم فإن مطالب "فك الارتباط" التي ستظل موجودة ومرتفعة في هذه الأثناء سوف تعود وبقوة وبتوسع أكبر.
لقد دمرت الحرب مشروع الوحدة وقضت عليه، وخلال العقدين الماضين راكمت الأخطاء حالة الغضب والاحتقان في الشارع الجنوبي حتى انفجرت الثورة الجنوبية في 2007، ولما عجزت القوى السياسية الحاكمة عن معالجة الأوضاع واختارت خيار القوة اتسعت رقعة الاحتقان حتى غدا الحراك الجنوبي قوة ضاربة في الميدان لا يمكن تجاوزه أو الاستهانة به، واليوم وقد أتاحت ثورات الربيع العربي الفرصة لإيجاد حلول لمشاكل البلاد تقف القوى السياسية التي قادت الحرب ضد الجنوب عاجزة عن إنتاج مشروعات سياسية حقيقية لمعالجة قضية الجنوب وهي ما تزال تمارس نفس الأساليب في الخداع والمراوغة للالتفاف على الجنوب ولالتهام الحوار ومخرجاته مثلما التهمت ثورة الشباب وتقاسمت الكعكة.
لقد أثبت الحوار الجاري في صنعاء كم هي تلك القوى عاجزة عن إنتاج مشروعات سياسية لبناء الدولة، حيث كشفت أوراقها ورؤاها المقدمة للحوار عن ضعف وركاكة وتخبط، فهي لم تتمكن حتى الآن من تقديم رؤية حقيقية ومعتبرة للخمسة الأقاليم التي تطالب بها وكيف سيتم تقسيم الدولة وغيرها من تفاصيل ومكونات بناء الدولة الفيدرالية، ناهيك عن تقديم رؤية لحل القضية الجنوبية، الأمر الذي يكشف أن مطلب الخمسة الأقاليم ما هو إلا نكاية بمشروع الإقليمين ومحاولة لإفشاله دون وجود رؤية لديها ببناء الدولة، وهذا ما يجعل الحراك الجنوبي يكسب سياسيا وشعبيا لاسيما وقد تبلورت مؤخرا في الجنوب عدة رؤى لبناء الدولة كما يؤكد مراقبون.
لن تؤثر الضغوطات الخارجية إذن على الحراك واستمرار مطالبه المرتفعة كما تؤكد الوقائع وهناك من يقول أن على الخارج أن يركز ضغطة على القوى المشاركة في الحوار لدفعها للقبول بالدولة الاتحادية من إقليمين فهو إن فعل ذلك ونجح سوف يساهم في إحداث انفراج سياسي على مستوى الشمال والجنوب معا بدلا من الضغط على الحراك للقبول بمخرجات غير معروفة وواضحة في ظل شارع جنوبي يغلي وتتسع فيه رقعة المطالبين "بفك الارتباط" في ظل غياب مطبق للدولة كما تؤكد الشواهد.