يسير الى العطاش..!!

 

القرى في تلك البلاد العطشى معلقة في صدور ورؤوس الجبال.

كانت "القبيطة" في الماضي بلاد الري والخصب، لكن لسنوات قليلة خلت،لم يعد المرء يجد شي رطب !

هنا في السفوح والمنحدرات صورة تراجيدية تحكي معاناة نساء وأطفال يمضون ساعات طويلة..تحفهم المخاطر في سفرٍ مضني ورحلة من العذابات لجلب "دبّة" ماء سعة عشرون لتراً فقط..

وحده الجفاف يحضر بقوة في الجبل والوادي ..في الشعاب والوهاد، ومعه لفح الهجير وقيظ النهار !

لم نشاهد ونحن نصعد تلك المرتفعات غير الصخور الملتهبة وحرارة العطش..حتى التراب ماتت فيه عناصر الحياة التي تغذي النبات المفقود..إنه مثل الناس ظمآن يشكو العطش تحت وطأة الجفاف والسنين العجاف!

الناس حيارى..ملهوفين في إنتظار المنقذ ..لقد باعوا مايملكون من الماشية كالأبقار والأغنام بينما كانوا يعتاشون من وراءها..فقد أضطرهم الجفاف أن يفعلوا ذلك مكرهين..إنهم يرون قراهم تعيش سنين القحط!

في زمن الحيرة واللهفة هذه يصل فريق "الهلال الأحمر الإماراتي" قادماً من عدن يشق الدروب والمسالك ويتجشّم عناء السفر..

هنا في منطقة" الربوع " وقف الفريق للمرة الأولى..كان صوت "الحفّار"  يرجع صداه من الجبال البعيدة..العمل في حفر البئر الإرتوازي يمضي حثيثاً على قدمٍ وساق..

الأهالي يتحلقون حول المشروع المنقذ ،ينتظرون ساعة الخلاص ..لاشي في عقولهم وقلوبهم غير إنتظار البشارة !!

إنّه الماء أساس الحياة..لقد سُعدوا بوصول هلال الخير..فإذا هم يُبشرون من قبل مسئولين في هيئة الهلال الإماراتي ..أن الحفار لن يغادر مكانه حتى ينبع الماء الذي يسقي العطاش ويغيث الملهوفين في تلك المناطق وماشيتهم .

في هذه اللحظة التي اعتبرها المواطنون تاريخية ،ارتسمت ملامح الفرح على الوجوه.

لم يستمر الفريق في التوقف عند "الحفّار"،بل صعد طرق ملتوية ووعرة في المرتفعات للإطلاع عن كثب لمعاناة الأهالي في قرى "الدخّينة" و"بني حمِد" و"شوحط" و"نجد البرو" إنه يسير الى العطاش..هناك حيث يمضي النساء والأطفال ساعات من النهار في رحلة البحث عن الماء وسط مخاوف ومخاطر سلوك تلك المنحدرات التي لابد من مغامرة  السير فيها ..وقد سقط ضحايا من تلك السفوح منهم من قضى ..ومنهم من أصيب بإعاقة ألزمته الفراش حسب إفادة الأهالي.

أمام هذه المعاناة سارع الهلال الأحمر الإماراتي بتوفير خزانات مياه لتلك المناطق وتغذيتها بواسطة بوزتين "صهريجين" في عملية إنسانية مستعجلة حتى إنجاز المشروع.

إن مشروع إنقاذ الأهالي الذي ينفذه بوتيرة عالية الهلال الأحمر الإماراتي في مديرية القبيطة بمحافظة لحج سوف يقدم خدمة جليلة لا لآف المواطنين في تلك المناطق المذكورة وصولاً الى قرى "شنين" ومنطقتي "الأعشار"و"حرذ" التابعتين لمركز كرش من خلال نظام المضخات والخزانات التي يتم تحديدها من قبل الفريق الخاص بالمشروع.

ثم في لحظة إنسانية رائعة وفي نفس يوم الزيارة  لتفقد مشروع المياه يقف فريق الهلال الأحمر الإماراتي تحت أحد السفوح يواسي الفقراء والمحتاجين و يمد يد العون اليهم من خلال توزيع 200سلة غذائية ،فكانت مناسبة أخرى للفرح..رسمت البسمة في وجوه الأهالي الذين عبّروا عن عميق شكرهم  لهذه اللفتة الكريمة التي تعبّر عن عمق العلاقة بين الشعبين الشقيقين اليمني والإماراتي ،وصورة حميمية جسّدت معاني الود والإخاء،لاسيما في زمن الحرب الحوثية الإيرانية التي ضاعفت من معاناة الناس وأحالت معيشتهم الى جحيم لا يُطاق !!

 

مقالات الكاتب