تقاليد مناطقية على مذهب باصرة!

 لأن (عدن) كانت إحدى المستعمرات البريطانية المهمة؛ فقد توافدت إليها جموع كبيرة من أبناء المستعمرات البريطانية، ولاسيما من الهند (من مختلف الديانات) وأفريقيا وأوربا؛ فضلا عن الهجرة اليمنية الداخلية من شتى المناطق: شمالا وجنوبا.. وخلال السنوات الماضية –منذ الوحدة- كانت تلك الظاهرة مدعاة للفخر والتباهي يستشهد بها كثيرون –وكل يدعي وصلا بليلى- على حالة التسامح الديني وحضارية المدينة التي جمعت أشتاتا من الديانات والقوميات والمناطق!

 

المغزى من هذه المقدمة؛ أن د/ صالح باصرة يشهد أمام الله والعالم في قناة السعيدة أن اليمنيين من أهالي المناطق التي كانت تقع على الحدود الشطرية السابقة؛ لم يستطيعوا أن يتأقلموا ويندمجوا بسبب اختلاف التقاليد بعد عملية التقسيم الإداري التي حدثت بعد عام 1994، وتم فيها دمج مناطق (جنوبية وشمالية) في محافظة ما.. مثل القبيطة والمقاطرة في (لحج) أو قعطبة والحشأ في (الضالع)!.. وبناء على ذلك طالب (باصرة) بإعادة التقسيم الإداري إلى ما كان عليه سابقا (أي قبل 1994 وليس قبل 1967؛ عندما كان الجنوب اليمني مكونا من 22إمارة وسلطنة ومشيخة ودولة ومستعمرة واحدة)!

ليس الغريب الشاذ فقط في هذا الرأي أنه يصدر من شخص كان –كما فهمت- قوميا بعثيا ثم ماركسيا أمميا ثم قياديا من قادة الصف الأول في المؤتمر الشعبي العام موحد اليمن كما يتفاخرون.. وتوفرت له الفرصة ؛رغم اختلاف تقاليد البيئة الحضرمية التي نشأ فيها عن غيرها كما يقول دعاة انفصال حضرموت الآن لتبرير دعوتهم، ليقود جامعة عدن ثم جامعة صنعاء.. وقد عاش في صنعاء ردحا من الزمن.. ليس هنا موضوع الغرابة.. ولكن لأنه أيضا يتناقض مع الترويج التاريخي الكبير لظاهرة التسامح والاندماج النفسي الذي حدث في عدن بين مكونات عديدة من الديانات والهويات القبلية والمناطقية؛ وكان أبرزها فئتين هما: يمنيو الشمال، ويمنيو المحميات الجنوبية والدولتين الكثيرية والقعيطية!

 

فهل يعقل أن اليمنيين من مناطق يمنية متحاذية طوال آلاف السنين، وكانوا بالتأكيد جزءا واحدا من كيانات سياسية عبر التاريخ فشلوا في الاندماج والتأقلم مع بعض منذ 1994؟ وفشلوا في أن يكونوا مواطنين متآخين في محافظة واحدة؛ بينما عاش أمثالهم واندمجوا وتأقلموا في مناطق أخرى مع أناس من نفس المناطق؛ بل ومع بشر من قوميات وأديان شتى؟

 

ما الذي يوجد في تقاليد الضالع وردفان والشعيب وعاداتها ويجعل اندماج أهلها مستحيلا مع تقاليد قعطبة والحشأ ودمت؟

 

وما الذي يوجد في تقاليد المقاطرة والقبيطة وعاداتها من غرائب حتى لا يستطيعون أن يندمجوا مع مناطق لحج المجاورة لهم؟

 

هذا طبعا إن قلنا إن التقسيم الإداري الجديد فرض على سكان المناطق الجنوبية والشمالية –أو التي كانت جنوبية وشمالية- أن يندمجوا بالفعل مع بعضهم، ويتأقلموا مع عادات وتقاليد مشتركة!

 

لقد عشت في حارة في عدن؛ كان يوجد فيها عائلات تعود أصولها إلى تعز، والضالع وقعطبة، وكان فيها فرس بنيان، وصومال، وهنود.. ومع صغر الحارة لم يجد سكانها من يفرض عليهم الاندماج بالمعنى الغريب الذي يوحي به (باصرة).. وظل كل أناس على طبائعهم وعاداتهم.. ولم يطالبوا في يوم ما بأن يندمجوا أو يتفدرلوا أو يتكنفدرلوا (من الفيدرالية والكونفدرالية)؛ فمن أين جاءت هذه الفكرة الإبليسية هذه بضرورة الاندماج والتأقلم -على فرض أنهما غير موجودين- وإلا فالانفصال هو الحل؟

 

(المقاطرة) على سبيل المثال أقرب إلى عدن كثيرا من الضالع ويافع والمكلا وسيئون والمهرة.. ومن جبال المقاطرة يمكن –كما حدثني زميل مقطري- رؤية شعلة مصافي البريقة أثناء الجو الصحو، واسم أو لقب المقطري في عدن مشهور شهرة باصرة في الاندماج والتأقلم مع الرئيس المخلوع.. وفي حينا في التواهي توجد مجموعة كبيرة من الأسر من منطقتي قعطبة والضالع بالذات.. عاشوا وما زالوا حتى الآن متجاورين دون أن يجدوا صعوبة في التأقلم مع بعضهم أو مع التشكيلة السكانية المذكورة سابقا، فكيف اندمج مواطنو قعطبة هؤلاء مع جيرانهم اليمنيين من جميع مناطق اليمن ومن الضالع بالذات (دعوا عنكم المسيحيين والمجوس وعبدة النار، والهنود من كل الأديان، والصومال والفرس واليهود وغيرهم مما لا يعلمهم إلاَّ الله) ويعجزون اليوم عن الاندماج –وبصرف النظر عن معقولية الفكرة التي تبدو أقرب إلى الدسيسة- مع سكان الضالع؟

 

تاريخيا كانت قعطبة توءام الضالع، وكثيرون من قيادات ثورة أكتوبر التاريخية (قحطان وسالمين وعنتر وصالح مصلح وغيرهم) كانوا يتخذونها مركزا للعمل التنظيمي والعسكري والاختفاء فيها عند الحاجة، وأنشأوا فيها نادي الشباب الرياضي، ومدرستها (الفتح الجمهورية) كان اسمها (المدرسة الأحمدية) وأنشأها الإمام لاستيعاب أبناء المناطق الجنوبية المحاذية مثل الضالع ويافع الذين وفدوا إليها للدراسة والسكن في قسمها الداخلي، وظل الطلاب من الجنوب يدرسون فيها حتى عام 1972.. أما وحدة التقاليد والعادات واللهجات بين المنطقتين فحدثوا عنها ولا حرج.. وفي الوقت الحاضر امتد البناء بن المنطقتين، وتقارب الناس بصورة تسبب بالـتأكيد أمراضا نفسية لأمثال باصرة!

 

ألم تكن مناطق الحشأ وما جاورها أيضا أشبه ما تكون بجبهة خلفية لثوار أكتوبر المقاتلين في الضالع وردفان والشعيب، ومعبرا للسلاح والذخائر.. أم أن السلاح والذخائر كانت تأتي من القاهرة رأسا إلى المهرة وحضرموت ثم تواصل مسيرتها برا إلى الضالع وردفان؟ كيف كان يمكن أن يحدث ذلك لو كانت هناك حواجز نفسية واختلافات مناطقية؟

 

ولماذا نذهب بعيدا.. ها هو باصرة قيادي ووزير مؤتمري؛ فكيف تأقلم مع رفاقه في المؤتمر والحكومة من أبناء الشمال، وارتاح لهم حتى فضل نهبهم وفسادهم على من سماهم لصوص الثورة الشبابية؟

 

 الآن من أجل الترويج للانفصال أو تمهيد الأرضية له باسم الدولة الاتحادية، وتخويف الناس من استمرار الوحدة؛ يأتي قيادي مؤتمري من أتباع المخلوع صالح المخلصين له حتى النهاية، ويفضلونه وسياساته في نهب البلاد على لصوص الثورة الشبابية.. يأتي ليؤلف أوهاما مناطقية عن عدم إمكانية الاندماج والتأقلم بين الضالع وقعطبة لأغراض خسيسة؟

 

 اقترحوا باصرة مسؤولا في سقطرى أو المهرة، وانظروا ماذا سيكون رد فعل أهل سقطرى والمهرة؟

 

 قليل إن لم يطالبوا بالانفصال والالتحاق.. بصومال لاند!

 

•••

(صالح باصرة) لا يبغي بهذه الفكرة وجه الله ولا وجه المبادئ التي أوصلته إلى قمة الدولة المؤتمرية (الشمالية).. وأخشى أن أقول ما قاله مواطن علق على كلامه في أحد المواقع إن باصرة (يرعى مع الراعي ويأكل مع الذئب)!

 

باصرة استسلم بعد سقوط صالح لترسبات مناطقية غير صالحة مغروسة في أعماقه.. صار يستخدمها الآن للغمز واللمز، واكاد أقول إنه يخدم المخلوع الآن متعمدا بتصريحاته المقرفة عن الوحدة والانفصال والدولة الاتحادية.. ورحم الله تعالى د/ كمال عبده علي (الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة عدن وإخصائي العيون الشهير في عدن.. ولا أظن باصرة نساه..) كم شكا لي من مناطقية باصرة أيام رئاسته لجامعة عدن، وممارساته للنتن العصبوي ضد من هم ليسوا من منطقته، وتقديم غيرهم وفقا للنتن المناطقي!

 

[د/ كمال عبده علي من أبناء عدن، ومن المتفوقين في دراسته العلمية طوال عمره، توفي منتصف 2007 وكان أنموذجا للطبيب الإنسان، وعانى في عمله الوظيفي الإجحاف وعدم الإنصاف بسبب هيمنة المناطقية الباصرية في جامعة عدن، وسببت وفاته المفاجئة صدمة لمن يعرفونه، وأطلق اسمه على إحدى الجولات في الشيخ عثمان.. أعرفه جيدا فقد كان زوجا لخالتي، وابن خالة والدتي رحمهما الله جميعا.. ولا رحم أهل الفتن والدسائس]!