الجمل والوزير!!

كانت صورة صاحب الجمل في سيلة الشيخ عثمان مذهلة..أجمل وأبلغ من صورة الوزير مع سيارته! 

في بيوت الوزراء يسطع ضوء الكهرباء إلى كل الأرجاء والأفنية، بينما يفرح البسطاء لضوء القمر إذا صار بدرا فيثوبون إلى رشدهم وتبرد أعصابهم من ضوضاء المدنية المرهقة، وهم يرون أطفالهم الصغار يلعبوت في الحوافي الأثيرة على ضوء القمر!! 

يفتقد كبار القوم لهذا الإحساس اللذيذ بالسعادة لأنهم يتوارون خلف هذه الأقبية من الكتل الخرسانية! 

لنعد إلى نهاية القرن التاسع عشر.. هذه صورة القوافل النازلة من باب عدن، الذي كان يربط المدينة ببقية أجزاء اليمن، يوم كان وسيلة المواصلات العربات والدواب.. 

في هذا الزمان ترى الخطوط كظيظا من الزحام.. أنواع وأشكال من السيارات لا تحصى ولا تعد.. ماتركوا فسحة لعربة يجرها جمل كصورة ممتعة تجدد الشعور بجمال الحياة!

رغم هذا الزحام المصحوب بدخان كثيف، لا شيء يدعو للمتعة والتأمل ! 

رأيت صاحب الجمل إنسانا منتجا يستيقظ في الصباح فيقضي نهاره في الحركة والعمل.. بينما الوزير صاحب السيارة الفارهة “يشفط” البنزين من المحطات لحساب الوزارة المخدوعة بالوزير الراقد!

إن إخلاص صاحب العربة لعملة أكبر من إخلاص صاحب السيارة التي اشتراها من قوت الشعب! 

وسترى قطاعا عريضا من الشعب يرفض أن يمشي خلف قائد أو وزير نزل للتو من فلته الفخمة، بينما يعيشون هم في بيوت من الصفيح والتراب! 

وحده صاحب الجمل يستطيع الحصول على الحرية منذ الصباح الباكر عندما يجد دابته قد استيقضت مع طلوع الفجر الأول..أما سيارة الوزير فليس لها عينان تبصران الضوء فهي تقف مليا في المكان كجلمود صخر! 

حتى الهيئات والمجالس وأمهات اللجان في هذه البلاد لا تجدي نفعا.. هي فقط تستثمر لأصحابها القائمين عليها!! 

لنعد إلى صورة صاحب الجمل وهو يطعم جمله “العلف” في ركن أحد المحلات التجارية بسيلة الشيخ عثمان، كان القمر بدرا في ليلة 14 محرم الماضي، وقد انطفأ عمود الكهرباء، رأيت هذه الصورة الأثيرة وتأملت العلاقة بين الجمل وصاحبه.. الاثنان واقفان، الرجل والدابة في استراحة بعد نهار شاق من الدأب والحركة في نقل الأغراض والبضائع.. كان الوقت بعد صلاة العشاء، والمشهد أروع ما يكون. 

نحن البشر عندما ننسى “الطبيعة” التي جبلنا عليها يذهب عنا الشعور بطعم الحياة بعيدا، فنقسو ويغيب عنا خلق الرحمة! 

قلت لكم إن هذه السيارات الفخمة للسادة الوزراء والقادة العظماء بزعمهم لا تمت للجمال بصلة، بيمنا تغريك هيئة شخص بسيط يركب على عربة، يجرها جمل يمر في الخط فتحس بجمال الصورة وروعة الركوب! 

أنا الآن أقرّ أن البسطاء وحدهم يستحقون أن يكونوا في القيادة والريادة إذا نالوا نصيبهم من الثقافة والمعرفة! 

لقد رأيت صاحب الجمل شخصا كادحا يأكل من عرق جبينه وكد ساعده.. فمكثت أمام الصورة التي اجتذبتني حتى أناخ الرجل جمله، فبركت الدابة على هيئة تستحق عندها تعظيم سلام.. ولا عزاء للكسالى!! 

 

*نقلا عن صحيفة «الأيام»

مقالات الكاتب